عادل القليعي يكتب .. الأخلاق في القرآن الكريم .. وواقعنا الإسلامي المعاصر من الإلزام إلى الإلتزام
بعد امعان النظر والقراءة المتأنية في فلسفة الأخلاق، والمدارس الفلسفية التي بحثت المشكلات الأخلاقية كل حسب رؤيته وتوجهه ومعتقده الفكري ، وقناعاته الشخصية.
ومن خلال مدارستي وقراءتي لبعض آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الأخلاق وأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم ،ومنها الحديث المبارك الذي ذكره نبينا المعصوم تخلقوا بأخلاق الله ، حتي وان كان به ضعف فيؤخذ من قبيل الاستحسان، ومن فضائل الكلم.
وجدت نفسي أمام مشكل عويص ، واقع معيش نحياه يعج بالمتغيرات والتقلبات علي كافة المستويات والاصعدة المستوي الثقافي ،المستوي التعليمي ،الجانب القيمي الاخلاقي،الجانب السياسي .
فرقة وتشرزم ، تقاتل واقتتال وتناحر ، انسان العصر صار ذئب لأخيه الانسان يتحين الفرص حتي ينقض علي أخيه -الا ما رحم ربي-نزعات مادية، برجماتية متغولة .
انسحاق قيمي وتدني أخلاقي وعبارات وألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان ، مفردات غريبة أقرب ما تكون الي لغة السوق أو أشد وحشة، فقدان للهوية والشخصانية، غربة واغتراب وافتراق اصبح الانسان عبارة عن آلة او ترس في آلة كالثور الذي يجر ساقية يدور ويلف ويلف الي ان يسقط في براثن الغربة عن نفسه وعن وطنه الاصغر ووطنه الاكبر ليس له هم اللهم الا جريا خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتي اذا جاءه وجده سراب .
شباب يملأ المقاهي ويفترش الأرصفة والطرقات ليس لهم هم الا العبث واثارة الفوضي بين الناس وشراب المخدرات ومضايقة المارة من البنات وحتي السيدات اللواتي كبرن وطعن في السن لم يسلموا من هؤلاء.
لماذا وصلنا الي هذا الحال ، أقولها بمنتهي الأسي والحزن لأننا ابتعدنا عن منهجنا ومنهاجنا القويم ابتعدنا عن الطريق المستقيم ابتعدنا عن الصراط المستقيم ونسينا قول الله تعالي (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، ونسينا قول الله (وألو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماءا غدا).
ونسينا أوتناسينا سنة النبي صلي الله عليه وسلم ،اذ ضرب بعصاه الأرض وخط خطا مستقيما وحوله خطوط وأشار الي الخط المستقيم قائلا : هذا طريق الله الذي يحيد عنه ويميد لا يسلم وسينخرط في الشهوات التي يعف العفيف عنها ، ولا ألوم أحدا بعينه فجميعنا مخطئون، الأب والأم في البيت أليس لهما الدور الأكبر في الارشاد والتوجيه أليس عليهما المسائلة والتوجيه .
افعل ولا تفعل هذا صواب، وهذا خطأ هذا حلال ، وهذا حرام هذا حسن وهذا قبيح .
وكذلك المدرسة الأولي الابتدائية ثم باق المراحل التعليمية الأخري أليس المعلم من الابتدائي الي الجامعة عليه معول كبير في التوجيه والنصح والارشاد.
فالمسألة ليست عملية تعليمية فقط، وانما اكمال منظومة التربية.
وانتم يا علماء الدين أليس عليك دور وعظي ارشادي يتمثل في شرح مكارم الأخلاق، وشرح كتبكم المقدسة الشيخ في مسجده والقس في كنيسته والكاهن في معبده فروح العبادة الانتقال بها من مرحلة التنظير الي التطبيق الفعلي والعملي في الواقع المعيش.
لماذا لاتقومون بدوركم علي الوجه الذي يرضي ربكم عنكم، لماذا لاتوضحون أهمية الضمير كمصدر مهم من مصادر الإلزام، إذا ما التزم الإنسان بكل ما يمليه عليه ضميره ستسود الأخلاق وتنتشر الفضيلة،(أن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
لماذا لم تتحدثوا حديثا من القلب حول الترغيب والترهيب،من عمل صالح فجزاء فعله الصلاح، ومن عمل سيئا فجزاء عمله الطلاح والسوء
لماذا لم توضحوا للناس مفهوم الفضائل لاقتنائها العدل،المساواة،التعاون، الإحسان، الشجاعة، الكرم.
لماذا لم توضحوا للناس شمائل وخصال النبي صلي الله عليه وسلم، وصحابته الكرام.
لماذا يا علماء الإجتماع، يا علماء النفس لم توضح للناس ما الذي سيحدث للمجتمع عندما اسود الفضائل ، وما الآثار النفسية التي ستترتب عليها وما يترتب عندما تختفي الرزائل أو حتي تحجم.
لماذا يا أهل التفلسف ، يا أهل الفكر، لماذا لاتوضحون أهمية العقل والدور المنوط به في التمييز بين الخير والشر،الحسن والقبح،الجميل والجليل.
لماذا لاننا جميعا سنقف هناك حيث لا بعد هناك هناك وسنسأل عن أعمارنا فيما افنيناها، لماذا لم تنصحوا
الشباب حبا لهم وحبا في الله.لماذا لم نتخلق بأخلاق الله تعالي لماذالانتمثل صفاته وأفعاله تعالي ونطبقها علي أنفسنا لماذا لا نكون رحماء بيننا يرحم كبيرنا صغيرنا وصغيرنا يوقر كبيرنا ويعطف علي شيخنا.
لماذا لانكون كرماء مع بعضنا البعض وليس الكرم بالجود بالمال فقط،بل بالمساعدة في كل شيئ .
المعلم لايبخل بعلمه علي من يطلبه وفي كافة المجالات وعلي كافة الاصعدة والمستويات، لماذا لايسود الحب بيننا والحب دعوة ربانية لماذا لا ننزع خطاب العنصرية ونطرح التعصب والتحزب جانبا لماذا لا نحيا في سلام والله هو السلام ودعوته هي السلام ودينه السلام.
لماذا التناحر والتقاتل والتحارب هل الانسان بما هو كذلك خلق للحرب خلق للكره ،خلق للبغض والحقد .
أم خلقه الله لعمارة الكون والاستخلاف في الأرض وتحمل المسئوولية كاملة مسئوولية التكليف خلقنا الله للحرية بمفهومها المنضبط القويم ،لماذا لانكون ربانيين بمعني الكلمة نتخلق بكل خصال الخير التي دعا لها الله وأمر بها رسله ان ينشروها بين أقوامهم.
وأختتم حديثي بحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ، ان مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بان بني بيتا وحسنه وجمله الا موضع لبنة، يمر عليه الناس ويستعدون لرؤيته ثم يقولون لولا هذه اللبنة يا ليتها وضعت، انا موضع اللبنة بعثت لاتمم مكارم الأخلاق.
فاللهم صلي وسلم وبارك على صاحب الخلق القويم.
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان ورئيس قسم الفلسف