كُتّاب وآراء

سمية عبد المنعم تكتب .. رحلة البحث عن شبيه الروح في ديوان مجدي أبو الخير

سمية-عبد-المنعم

يُعرف فرويد الاغتراب بأنه (شعورُ الانفصامِ والصراع بين قوى اللاوعى الدفينة فى الذات وبين الذات الواعية)، وقد تبدت تلك الظاهرة جلية بين شعراء العصر الحديث، خاصة بعد نكبة 48، ونكسة 67، وهو ما تجلى على سبيل المثال فى شعر صلاح جاهين وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور، وغيرهم، حتى وصولنا لشعراء جيل التسعينيات، الذى عانى تغريبًا من نوع آخر، ربما تمثل فى احتدام الصراع الطبقى والبيروقراطى وغياب الحرية وشيوع التقاليد الهدامة، وفقدان الثقة بكثير من الأنظمة والمبادئ، مما غلف تجاربهم الشعرية بحالة من اليأس والمعاناة الشديدة.

ومن الشعراء الذين تسيطر تيمة التغريب على أشعارهم، الشاعر مجدى أبوالخير، الذى يتخذ من البساطة والوصول السهل لنفس القارئ طريقًا وأسلوبًا ممتدًا على طول دواوينه السبعة، التى تتنوع ما بين الفصيح والعامي، ويغلب عليها العامية، فبينما تأتى ستة دواوين بالعامية وهي: (ع المصطبة، فراق يرد الروح، عزاء على مسرح كوميدي، على باب الحبيب، فاتح شباك ع الحلم

حول الرسول)، يقف ديوانه الفصيح «أظنه يشبهني» وحيدًا، ففى أربع وعشرين قصيدة تتأرجح بين قصائد النثر والشعر الحر، يطل علينا ديوان مجدى أبوالخير، صادرًا عن دار الناشر، حاملًا بين دفتيه جرعة زائدة من التغريب، فما بين الغربة عن الذات وعن الآخر وعن الوطن، تدور أفكار القصائد، فتلك غربة بين أحضان حبيب لا يشبهنا، وأخرى بين أوطان لا تحتوينا وأرض لا ننتمى إليها، وثالثة بين زحام لا يضمنا.

بدءًا من عنوان الديوان «أظنه يشبهني» الذى يقف مستقلا لا تحمله إحدى القصائد، ملخصًا تلك الحالة التى تسيطر على قصائده، وأسلوب الشك الذى تبرزه تلك الجملة «أظنه»، ليؤكد حالة الغربة بينه وبين ذاته، إنه ذلك الوجه «الظل»، انعكاس ذاته الذى يطل مقلوبًا بشكل عمدى ليؤكد تيمة الغربة، فهو لا يدرى أهو يشبهه حقًا، أهو هو أم أنه ليس هو، ليعود متمتمًا فى شك: أظنه يشبهني.

إنها رحلة البحث عن شبيه الروح، بل البحث عن الروح ذاتها، تلك الرحلة التى لابد أنّا جميعا مرتادوها، فمنا من يعود فائزًا متشبثًا بشبيهه وكثيرون يعودون خاليى الوفاض، ليخوضوا غمار الرحلة ثانية وثالثة وعاشرة.. هكذا حتى ينقضى العمر.

فيما يتصدر الديوان إهداء يفك شفرة تالية بعد الغلاف، لفكرته الرئيسة، وبالتحديد فى جملته «إلى كل من يبحث عمن يشبهه.. لا تيأس»، فيما تقع جملته التالية التى يهدى فيها ديوانه لأبنائه، واصفًا إياهم بـ” لب القلب ورصيد العمر”، ليختصر من خلالها تغريبا عن المحيط، وكأن العالم كله اختزل فيهم، ولم يعد للشاعر انتماء لغيرهم، مختتمًا إهداءه ذلك بجملة «إليك يا وطنى الحقيقي»، فى توصيف يؤكد شعوره بزيف وطن واقعي.

وتتنقل قصائد الديوان ما بين أنواع ثلاثة للغربة؛ عن الآخر، والذات، وتمثلهما قصائد: (عروس البحر، هذا أنا، من؟، من وإلى؟)، وتتضح الغربة عن الذات والآخر أيضا فى قوله بقصيدة «محاسبة» (ياليت ميلادى لم يأت/ ياليتنى كنت نسيًا منسيًا/ أتاجر بالمارين بأسواق النخاسين/ أبدل أوفاهم بالخائن).

أما الغربة عن الوطن فتتبدى فى قصيدة «لا أنا».

وفى قصيدة «نيل مدينتي» تبدو الغربة المتعمدة والجبرية، فى قوله (نهر بلادى لا يملك يومًا أن يرحل).

** اللغة والمفردات:

يعمد الشاعر إلى استخدام مفردات سهلة يسيرة، رغم فصاحتها، إلا أنه يتجنب الغريب من القول، والمتروك، رغم انشغال فن قصيدة النثر بكل ما هو غريب مهجور فى اللغة، إلا أن مجدى أبوالخير يمتاز بعدم الانسياق خلف تلك الصفة، فى ديوانه الفصيح، ليؤكد أن الوصول للب المعنى وعمق الشعور لن يتأتى إلا بكل ما هو سهل ميسور، ربما ساعد فى ميله للسهل من الألفاظ كونه شاعر عامية فى الأساس، يؤسر الأقرب للقلب.

** الصور الجمالية:

يحفل ديوان «أظنه يشبهني» بالعديد من الصور والاستعارات والمجازات، ومما لفت ناظرى على تميزه، فاستأهل ذكره، قوله: (يا قوت قلبي)، (ما قيمة أرض الذهب إذا مات من يدرى لغة المحجر)، (امنحينى الموت طوقًا إذا ضممتِ)، (يحيط بعصابة عمامته خصر الدنيا)، (تحصى أكياس الأوجاع المثقوبة).

** التناص:

ربما كون مجدى أبوالخير أزهرى التعلم، قد بدا واضحا فى تأثره بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما يتضح فى كثرة تناصه مع الآيات القرآنية على طول قصائد الديوان.

** الوزن والقافية:

لأن الديوان يجمع بين قصائد النثر وقصائد شعر التفعيلة، وتغلب الأولى على الثانية، فقد تحررت معظم قصائده من الوزن والقافية كعادة شعر النثر، إلا أن هناك قصيدتين تنتميان بشكل جلى للشعر الحر، فتحويان تفعيلة واحدة، من وزن المتقارب، وتفعيلته «فعولن»، كما تحفلان بالقافية، وهما قصيدتا (عروس البحر، ماذا بعد).

إن شاعرًا يمكنه أن يتنقل بالمهارة ذاتها ما بين شعر الفصحى والعامية، لتتنوع دواوينه بينهما لهو شاعر مختلف، يزرع إحساسه حسبما يعن لقلمه دون التقيد بقالب أو نوع شعرى واحد، وهو ما لا يتأتى لكثير من شعراء جيله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى