جمال أبوالفتوح يكتب: نظرية المقامرة
بداية يجب أن اعترف أنّ نظرية المقامرة ليس لها وجود على أرض الواقع ..على الأقل حتى الآن .. ولكنها بدأت فى التكوين مع طرح تساؤلات حول آخر عنقود نظريات المؤامرة… والذى يرتبط بإنشاء ما يسمى بمركز “تكوين” الثقافى .. والذى يهوى مؤسسوه ملاحقة الثوابت والأفكار التى ألفها الناس على مدى قرون طويلة .
وترتبط أهمية أى حدث الى حد كبير بتوقيت حدوثه .. وقد يفوز باهتمام خلق الله بسبب هذا التوقيت .. على سبيل المثال كان أكثر ما أزعج الناس فى إعدام الرئيس العراقى الراحل صدام حسين هو توقيت إعدامه صباح أول أيام عيد الأضحى المبارك يوم نحر الأضحية عند المسلمين .. وآثارالتوقيت وقتها الجدل إن كان يستهدف إهانة صدام أم إذلال المسلمين يوم عيدهم.
و لذلك يلقى توقيت إنشاء مركز تكوين بظلاله أيضا على أصحاب نظرية المؤامرة .. لأن معشر التكوينيون معروف عنهم وعن قائدهم بالذات الكراهية الشديدة لحركة المقاومة الإسلامية حماس بشكل خاص ، والحركات الإسلامية بشكل عام .. وهذا من حقه من منطلق حرية الرأى والتعبير .. ولكن عدم اللياقة فى الهجوم على حماس أو غيرها يكمن فى اختيار التوقيت .. خاصة وأن الحركة تخوض حربًا مصيرية ، ضد عدو شرس يكيد للعرب منذ أكثر من قرن من الزمان وبالتحديد منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917 .
ولا أحد ينكر أن المذابح البشعة فى قطاع غزة أجبرت العالم كله على احترام الفلسطينيين و التنديد بجرائم الإحتلال بشكل غير مسبوق على مر التاريخ، وكشفت الوجه القبيح للصهاينة ،كما تم إحياء القضية الفلسطينية مجددًا بعد أن ماتت سنوات طويلة ومات معها الضمير والكرامة العربية بل والإنسانية.
و ما يزعج التكوينيون وأنصارهم هو أنّ عودة الحياة للقضية المصيرية جاءعلى يد أو فى عهد حماس شاء من شاء وأبى من أبى .. و سواء اتفقت أو اختلفت مع الحمساوية فهم ” أدمن” الصراع حاليا واصحاب الفرح الذين يتلقون العزاء أيضا فى مُصاب شعبهم
المشكلة بالنسبة للتكوينيون – من وجهة نظر أصحاب نظرية المؤامرة – أنها حركة إسلامية
والمشكلة أيضا أن البسطاء ينظرون لأهل التكوين على أنهم يُسخرون ثقافتهم لهدم الإسلام من خلال الدخول فى قضايا خلافية كثيرة تتعلق بمعتقدات أهل السنة
وأهم ما يزعج البسطاء هو التشكيك فى ما يرتبط بدينهم .. فتخيل مثلا أن تقول لليهود أنه لا يوجد نبى اسمه ” أشعيا “.. أو أن موسى نفسه “خُرافة” ووهم نتاج أساطير لا تمت للواقع بصلة .. أو تقول أن الفاتيكان لا يجب ان يتحدث باسم الدين المسيحي لأن المسيحية أساسا لا وجود لها وأنها من اختراع البشر. بالتأكيد سينالك حظ كبير من الشهرة ولكنك ستصبح عدو البشر من معتنقى الديانتين وقد ينتهى بك الحال فى مصحة عقلية كمجنون حالته متأخرة…
ولكن عندما تهاجم السنة بنفس الشراسة فإنك لن تدخل “سراية المجانين” وإنما تدخل المُتحف المصرى
ومن هنا يبنى أصحاب نظرية المؤامرة تصورهم، وأنا لست منهم على اعتبار أننى أميل لـ نظرية المقامرة.
ويعتقد بعض أصحاب نظرية المؤامرة من النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي أن الطفرة الجينية التى أنجبت تكوين خلقها تلاقى المصالح ، مصلحة من يخشى من عودة التطرف الإسلامى إلى الشارع العربى بسبب حماس ، مع مصلحة بعض رجال الأعمال الذين يخشون على استثماراتهم لنفس السبب ،مع مصلحة أطرافا عربية تميل للوقوف إلى إسرائيل إرضاءا لأمريكا ،مع مصلحة إسرائيل نفسها التى قد تمول هذه المشروعات من خلال طرف ثالث ، إضافة إلى مصلحة التكوينيين أنفسهم الذين باعتراف المتحدث باسمهم قد تلقوا تمويلا ضخما لإتمام المشروع.
أمّا نظرية المقامرة فهى ضد هذا السيناريو على طول الخط .. حيث أنها تستبعد أن يقامر أى نظام عربى بسمعته بهذا الشكل الفج من أجل استرضاء إسرائيل وأمريكا ، كما أنها تستبعد أن يقامر أى رجل أعمال بأمواله فى مثل هذه القضايا الشائكة التى قد تضر يسمعته إلى درجة كبيرة ،و قد تؤثرعلى أعماله أو يناله نصيب من المقاطعة الشعبية لكل من يدعم السفاحين الصهاينة أويشارك بشكل مباشر أو غير مباشر فى المذابح ضد المدنيين العزل وجرائم الإبادة ، كما أنها تستبعد أن يقامر أى مثقف عربى بسمعته وأن يوصمه الناس بالخيانة والعمالة من أجل حفنة دولارات من هنا أو من هناك.
عزيزى القارئ .. الحكم لك فى النهاية .. أي نظرية تختار .. المؤامرة أم المقامرة…!