عادل القليعي يكتب .. أيها الهراطقة .. إياكم ورسول الله
أيها الهراطقة… إياكم ورسول الله.!
(صل الله عليه وسلم)
بين الفينة والفينة يطل علينا شخص ما وما أكثر الشخوص الآن الصامتة التي لا تتحدث صمتها كصمت أهل القبور، ثم تتحدث فبدلا من أن تتحدث عقلا، تنطق بما لا تعلم فتتفوه جهلا.
وتلك حالتنا التى وصلنا إليها، إلا ما رحم ربي.
فكأنه مقدور علينا أن نقف دائما موقف المدافعين، فما أن ننتهي من الرد على من أنكر المعراج ومن سب الأئمة العلماء العاملين وشكك في فقهم وعلمهم، إلا أبوا أن نستريح فكريا ولو قليلا- ونوظف فكرنا توظيفا حقيقيا لخدمة قضايانا المعاصرة، إلا ونجد من يطلعون علينا ولا أدري لماذا يفعلون ذلك هل مثلا للاستعراض الإعلامي، أم لجمع المال، سبحانك ربي، المال سيتركنا أمام بيوتنا ولن ندخل به لحودنا.
يطلعون علينا مطلين برؤوسهم الخاوية من التفكر ووجوههم الكالحة الهالكة التي أهلكتها الأوهام، أوهام أنهم أهل فكر وعلم ومعرفة، غارقين في ظلمات الجهالة، خسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، يظهرون كأنهم مدافعين عن الدين، من خلال الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدسون السم فى العسل من خلال إثارة شبهة وفرية أثارها من قبل بعض المستشرقين، هذه الشبهة هى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أميا وكان على دراية بالقراءة والكتابة، وحتى لا ننخدع بأمثال هؤلاء انبرينا للرد على هذه الفرية العظيمة التي لا يثيرها إلا شيطان ماكر، أتدرون لماذا شيطان ماكر، لأن في ذلك طعن فى القرآن الكريم، وإنكار معلومه (قل أبالله وآياته ورسله كنتم تستهزئون).
نقول لكم أيها المهرطقة لا وألف لا (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون فى المدينة لنغرينك بهم، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا).
نعم إنهم هم المنافقون، وهم في كل زمان ومكان، يبدون من طرف اللسان حلوة ويروغون منا كما يروغ الثعلب، منذ فترة ليست بالبعيدة، رسموا الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة المسيئة لرسول الله، وسبوا وقذفوا رسول الله بأقذر الشتائم، لكن لا ولن يفلح الساحر حيث أتى، ونحن لهم بالمرصاد، وها هم اليوم يعودون عود تعيس بئيس ويقولون أن الرسول كان يعلم القراءة والكتابة، نقول لهم، وأين أنتم من القرآن الكريم الذي أقر فيه الله تعالى من فوق سبع سموات طباقا، أقر فيه الله بأمية النبي صلى الله عليه وسلم، أم تريدون أن تشككوا الناس في دينهم وفي معتقدهم.
يقول تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم)سورة الأعراف من الآية 157.
يقول الامام البوصيري: كفاك بالعلم في الأمي معجزة .
(والأمي) نسبة إلى أمة العرب ، لأن الغالب عليهم كان ذلك ( الأمية )
كما في الحديث ( إنا أمة لا نكتب ولا نحسب ) وسنأتي الي شرح الحديث – أخرجه البخاري ، كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لانكتب ولا نحسب ( رقم ٩٦٨)
وأما نسبته إلى أم القرى، فلأن أهلها كانوا كذلك أو إلى أمة كأنه على الحالة التى ولدته أمه عليها .
وإنما وصفه الله تعالى بها تنبيه على أن كمال علمه مع حاله أحدى معجزاته فهي له مدح وعلو كعب لأنها معجزة .
راجع تفسير القاسمي ( محاسن التأويل – الجزء السابع – تفسير سورة الأعراف ص٢٨٧٨ )
وهذا إن دلنا علي شئ فإنما يدلنا على أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يجيد القراءة والكتابة مما يدحض فرية أنه يقرأ ويكتب ، وأنه قرأ واطلع على كتب اليهود والنصارى ، وأنه استقى أصول دينه وتعاليمه من علاقته مع هؤلاء.
علمه إعجاز من الله تعالى ( علمه شديد القوى ) فهذا علم وهبي من الله سبحانه وتعالى وهبه النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلوم الأنبياء علوم وهبية ( وعلمناه من لدنا علما )
فهل كل من يجيد القراءة والكتابة عالماً ؟! الإجابة بالضرورة لا .. هل كل عالم يعرف القراءة والكتابة ؟! الإجابة المنطقية بالضرورة كل عالم لابد أن يعرف القراءة والكتابة .
أما في حالة النبي صلى الله عليه وسلم فتأتي المعجزة الإلهية فهو عالم بعلم رباني وهبي منحه الله له معجزة ليعلم العالم كله ، دون أن يعلم قراءة وكتابة ، وشاهدي على ذلك أن النبي أوكل كتابة الوحي لسيدنا معاوية بن أبي سفيان.
أما الحديث الصحيح ( إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين .
فقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي وهو يدل علي أنه لا يلتفت في معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يعتمد علي الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر ، فالحديث سيق لبيان أن الاعتماد علي الرؤية لا الحساب الفلكي .
لكن هل هذا الحديث يتنافي مع طلب العلم ؟! نقول لا ، الإسلام دين العلم وهو يدعو إليه ويجب علي كل مسلم أن يتعلم ما افترضه الله عليه ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات وكذلك يتعلم من العلوم الدنيوية كالطب والهندسة والزراعة ، فيجب تعلمها ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أن يكون فيهم من يتعلم صنعة تلك الإبرة .
فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ويا حبذا لو اجتمع العلمان الشرعي والدنيوي ، الدنيوي (النظري والعملي).
بل ورفع الله تعالى العلماء مكانا عليا في محكم التنزيل ، وأعلى من شأنهم وجعلهم في خشية منه باستمرار ، أولئك العلماء الخلص (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
أقول لهؤلاء المفلسون فكريا ، الخربون عقديا ، هل عندكم من علم فتخرجوه لنا.
هل اتضحت المسألة ، مسألة أمية النبي صلى الله عليه وسلم ، وما الحكمة البالغة من هذه الأمية ، رجل لا يعرف حتى مبادئ القراءة والكتابة ، يعلم الدنيا بأسرها.
تلك معجزة الله تعالى وهبها لنبيه صل الله عليه وسلم.
أما أنكم تقولون أننا ندافع عن النبي وأنه لا يمكن اتهامه بالجهل ، لا أحد يستطيع أن يتهم المعصوم بهذه التهمة الباطلة ، أما أنتم ، فتريدون بفريتكم هذه زعزعة المعتقد في نفوس المؤمنين من خلال التشكيك في القرآن الكريم.
أقول لكم هيهات هيهات لما تفعلون.
أف لكم ولم تفعلون ، فقفوا عند منتهاكم ، إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيئ قدرا.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
اقرأ أيضا :
عادل القليعي يكتب.. التنوير والتجديد و واقعنا المعاصر