طوفان الأقصى.. فشل استخباري وقوة خفية أذهلت الغرب
في مشهد صادم، وفي وقت باكر من صباح السابع من أكتوبر، 2023، أطلقت حركة حماس عملية “طوفان الأقصى” ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي شكّلت ضربة قوية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية والاستراتيجية الغربية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
المفارقة بين حرب 1973 وطوفان الأقصى
حملت حرب طوفان الأقصى مجموعة من المفارقات، لا التشابهات، مع حرب 1973. فبينما كانت الأولى حربا مدروسة قادت في النهاية لإقامة “سلام” مع إسرائيل من قِبَل جيش نظاميّ مدعوم بموازنة دولة، فإن الثانية جاءت من مجموعات مقاومة لا يراها الإعلام الغربي أكثر من ميليشيا منظّمة، وتسعى لإنهاء الاحتلال القائم، أو إضعافه لأقصى قدرٍ ممكن عبر تحقيق مكتسبات نوعية وإستراتيجية تغير من معادلة الصراع المفروضة لعقود طويلة.
الفشل الاستخباري الإسرائيلي والاستراتيجية الغربية
لم يكن الفشل الاستخباري الإسرائيلي هو العنصر الوحيد في هذه الأزمة. فقد فشلت الاستراتيجية الغربية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أيضا. فبدلًا من التركيز على إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للفلسطينيين، ركزت هذه الاستراتيجية على تدجين المقاومة الفلسطينية وشراء الولاء الفلسطيني. وقد أثبتت حرب طوفان الأقصى فشل هذه الاستراتيجية، إذ أظهرت أن المقاومة الفلسطينية لا يمكن تدجينها، وأن الشعب الفلسطيني لن يبيع أرضه وحقوقه مقابل المال أو الوعود.
المقاتل العقائدي
في 7 أكتوبر 2023، أطلقت حركة حماس عملية “طوفان الأقصى” ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي شكّلت ضربة قوية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية والاستراتيجية الغربية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولعل أحد أهم أسباب هذا الإنجاز العسكري والإعلامي الذي حققته حماس هو وجود قاعدة كبيرة من المقاتلين العقائديين في صفوفها، والذين تميزوا بقدرتهم على التعبئة والتنظيم ومواجهة العدو بفعالية.
ربما لم يكن بمقدور منظومة الفكر الغربي تقدير ما يعنيه المقاتل العقائدي المشكِّل لجانب كبير من التنظيمات المقاومة في غزة وغيرها في الساحة الفلسطينية، وعن دور الدين في تشكيل ثقافة المقاومة.
فعلى مدار عقود، كان البُعد الديني المنظّم حاضرا في فسيفساء الفعل المقاوم الفلسطيني، بدءا من مقاومة الاستعمار البريطاني في الثورة الكبرى، مرورا بتشكيل حركة فتح في بداياتها، وصولا إلى التشكيلات المسلحة التي تُمثِّل شريحة واسعة من الطيف المقاوم في غزة.
فبالاستناد إلى عصبية ابن خلدون التي تتشكل على أساسها الجماعات القوية، يحضر مقاتلو غزة بمجموعة مرتكزات تُشكِّل عصبيتهم، مثل الدين، والأرض، والدم، والمصير المشترك، ويتكتلون كمجموعات ضمن أُطر أيديولوجية/عقدية داخل تنظيمات مُحكمة ومنضبطة وهيكلية واضحة المعالم.
الاختلاف بين المقاتل العقائدي والمقاتل الأيديولوجي
المقاتل العقائدي ليس وصفا قيَميا، بل توصيف علمي يستند إلى مجموعة عناصر تحدد وتُشكِّل طبيعة هذا المقاتل، أو الذي يسميه عالم الاجتماع الأميركي إيريك هوفر بـ”المؤمن الصادق”. وأهم سِماته، أنه لا يرى غضاضة في موته من أجل القضية التي يؤمن بها.
لكن اختلاف المقاتل العقائدي عن الأيديولوجي (كالشيوعي مثلا) هو تجاوزه للتعبئة الدنيوية باعتبارها المحرّك الأساسي لفعله، إذ يحضر البُعد الأخروي بوصفه عاملا حاسما في تكوينه الذي يجعل من هذه الدنيا مجرد جسر عبور لحياة أخروية يؤمن أنها خالدة، ويُوعد معها بالجنة والنعيم.
سبب عدم قدرة الفكر الغربي على فهم المقاتل العقائدي
أما سبب عدم قدرة الفكر الغربي على فهم حقيقة هذا المقاتل، وإن كان قادرا على وصف سلوكه في محاولة لتأطيره والقبض على محركات فعله، فيرجع إلى أن الأبعاد الدينية العَقدية انزاحت تدريجيا من المخيال الغربي ومن بواعث السلوك.
فالمنظومة القيَمية التي رسَخت في الوعي الغربي المعاصر ترتكز على مجموعة من المحددات الثقافية أهمها أن القومية الأوروبية استبدلت الإله تماما في وعي الممارسة اليومية، وأصبحت الكنيسة، والدين المسيحي في الغرب تحديدا، تبعا للاقتصاد والدولة، لا متقدما عليهما ولا موازيا لهما، خاصة مع هيمنة الاتجاه البروتستانتي على الفكر المسيحي.
في ظل هذه الرؤية للعالم، من الصعب على الفكر الغربي فهم المقاتل العقائدي الفلسطيني، الذي يؤمن أن الله هو القوة الدافعة وراء نضاله، وأن الشهادة في سبيل الله هي أسمى غاية يمكن أن يحققها.