جمال أبو الفتوح يكتب .. سنجفة العروش !
دعونا نتناول القليل من عامية الحارة المصرية وغرائبها قبل أن ندخل فى الموضوع ،وذلك لأنها تحتوى على مفردات معبرة تتناقلها الأجيال ..فيقال مثلا فلان “سنجف الزبون” ، ولا تحاول أن تفهم أصل الكلمة المنحوتة من خفة دم المصريين الذين يفهمون وحدهم عملية السنجفة ومرادفتها التى لا تقل عن السنجفة غرابة , ومنها على سبيل المثال مصطلح ” أكِلُه الأونطة ” أو فلان “ثّبت الزبون” أو “روق عليه” وغير ذلك من المرادفات التى تعبر عن نوع شائك من العلاقات الإنسانية ، يقوم على الغش والخداع والنصب والاحتيال من جانب طرف يتمتع بالذكاء ، ضد طرف آخر يعانى من السذاجة وقلة الفهم والوعى والإدراك.
والحقيقة أن السنجفة هى أفضل تعبير يمكن أن نصف به ما يحدث فى عالمنا على كافة الأصعدة ،وخاصة الصعيد السياسى فتجد أن العديد من السياسيين يقومون بانتظام مستدام بسنجفة مواطنيهم ..وخاصة فى مواسم الانتخابات حيث تنتهى عملية السنجفة مع إغلاق الصناديق .. فتتبخر الوعود ويختفى أصحابها .. ويشعرالناخبون أنه تم سنجفتهم بعد فوات الأوان .. ولكن الأيام كفيلة بمحو الإساءة من ذاكرتهم الهشة .. استعدادا لموسم آخر من مواسم السنجفة اللانهائية.
أما على المستوى الدولي فهناك بعض الدول التى تمارس بانتظام عملية السنجفة ضد غالبية دول العالم .. وتتربع الولايات المتحدة على عرش السنجفة دون منازع .. فقد شنت منذ نشأتها آلاف الحروب ضد العديد من دول العالم الثالث لأسباب وهمية تختلقها عادة فى إطارعملية من السنجفة المدروسة على أعلى مستوى.
و تتحكم واشنطن أيضا فى العديد من المناوشات والصراعات المسلحة فى كافة انحاء العالم ، فهى تعرف متى تشعل النيران بين الأمم وكيف تطفئها ،وكأن العالم أصبح لعبة فيديو جيم فى يد مراهق أرعن يتلاعب بالبشرية كيفما يشاء.
وقد يسأل البعض ما وجه الاستفادة من هذه الممارسات التى يروح ضحيتها آلاف الأبرياء وتخلف ورائها أوضاعا مأساوية لملايين البشر.
والأكيد أن التساؤل سيصبح غير ذى جدوى مع ذكر بعض الأرقام الموثقة , مثل أن حجم مبيعات السلاح الأمريكى للحكومات الأجنبية العام الماضى فقط بلغ حوالى 238 مليار دولار، بزيادة 16% عن العام السابق.
وهذا بالتأكيد يصب فى مصلحة المواطن الأمريكى صبا حقيقيا لا يمت بصلة لعمليات السنجفة السياسية المرتبطة بهذا التعبير ارتباطا ساخرا .. لأن هذا الحجم الهائل من مبيعات الأسلحة الذى يفوق ميزانية دول لها ثقلها ، يعنى مزيد من الرفاهية وفرص العمل والانتعاش الاقتصادى بغض النظر عما قد تسببه هذة الأسلحة من دمار شامل وإبادة جماعية .
والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تبذل جهدا كبيرا فى سنجفة الزبائن حتى يهرعوا لشراء السلاح الأمريكى , فأصحاب العروش ، يكتفون بقليل من الوعود الأمريكية بحمايتهم ومباركة أنظمتهم وغض البصر عن التجاوزات الحقوقية والفساد لتتم الصفقة فى سهولة ويسر.
لكن الأكيد أن عمليات بيع المعدات العسكرية الأسلحة االأمريكية المليارية تتطلب مستوى مذهل من الدعاية والإعلان يتمتع باحترافية شديدة وسنجفة أشد.. وقد كان ذلك واضحًا خلال تهيئة المسرح العالمى لمناوشات محسوبة بين إيران وإسرائيل.
وعلى طريقة الأفلام الأمريكية التى تتضمن إعلانات لسيجارة أو مشروب أو سيارة لبطل الفيلم ، فاز الأمريكان بالإعلان عن منتجاتهم على الطبيعة من خلال استعراض كفاءة القبة الحديدية التى تصدت للصواريخ والمسيرات الإيرانية واسقطت معظمها .. وكذلك بتدشين رسمى للمقاتلة الفائقة اف 35 المطورة حديثا من الجيل الخامس والتى يطلق عليها مقاتلة القرن و التميزبقدرات مذهلة للحرب الألكترونية وتضليل الرادارات، وقد استخدم الإسرائيليون 3 منها لأول مرة فى عملية قصف اهداف محددة فى مدينة أصفهان الإيرانية .
وعلى الفور أعلنت واشنطن لزبائنها أنها تخطط لإنتاج وبيع 2400 طائرة من هذا الطراز قبل منتصف القرن الحالى لتظل فى الخدمة حتى عام 2070، ويبلغ سعر خوذة الطيار فقط 400 ألف دولار وهى خوذة تجعلك تمارس التصويب دون رؤية الهدف مباشرة وكأنك تمارس ألعاب الأطفال , بينما يتراوح سعر الطائرة نفسها من 90 الى 150 مليون دولار حسب نوع النسخة والكماليات ونوع الزبون ،بمعنى أنه قد تباع للعرب مثلا نسخ أقل من المقاتلات التى تحصل عليها إسرائيل والتى طلبت بالفعل شراء 40 طائرة
ومن المنتظر أن تهرول دول أخرى فى المنطقة على شراء مقاتلة القرن وغيرها من المعدات والأسلحة الأمريكية لأسباب متعددة ،خاصة بعد المناوشات الإسرائيلية الإيرانية، والتى كانت من وجهة نظرى ضرورية لسنجفة الزبائن..!
اقرأ أيضا:
جمال أبو الفتوح يكتب : إمام المجانين!
جمال أبو الفتوح يكتب .. بنك الأحزان