الدكتور كريم نفادي يكتب .. القلب في الحديث النبوي : المقلوب لغة
المقلوب اسم مفعول من (قلب). ومادة “ق.ل.ب” لها في اللغة أصلان صحيحان: أحدهما يدل على خالص شيء وشريفة، والآخر يدل على رد شيء من جهة إلى جهة. والأصل الثاني هو المراد هنا. ومنه: القليب: البئر قبل أن تطوى، وإنما سمِّيت قليبًا لأنها كالشيء يقلب من جهة إلى جهة، وكانت أرضًا فلمّا حفرت صار ترابها كأنه قلب فإذا طويت فهي الطَّوى ولفظ القليب مذكر.
المقلوب اصطلاحًا:
حاول ابن الصلاح أن يبينه بقوله: “هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريبًا مرغوبًا فيه، وهو كذلك جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر”.
تابع ابن الصلاح على تعريفه – كتابة أو نظمًا- جماعة من المحدثين، ومن هؤلاء: النووي، وابن جماعة، والطيبي، وابن كثير، والعراقي.
ويلاحظ على تعريف ابن الصلاح أنه جرى فيه على التعريف بالمثال، وهو تعريف بالرسم الناقص، وفائدة هذه الملاحظة بيان أنه لا يتوجه عليه رحمه الله نقد في تعريفه من جهة أنه لم يكن جامعًا مانعًا؛ لأنه لم يقصد أصلاً التعريف بالحد التام أو الرسم التام.
كما اقتصر ابن الصلاح في تعريفه بالمثال على قسمين أو صورتين من المقلوب في السند، دون ذكر المقلوب في المتن، كما أنه أطلق الكلام فهو شامل لحال العمد و الوهم!
وقد ذكر ذلك ابن حجر أثناء تنبيهه على وقوع القلب في متن حديث أخرجه مسلم في صحيحه، قال: “وقع في صحيح مسلم مقلوبًا: “حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله”، وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح… وقال شيخنا : ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس.
والأولى تسميته مقلوبًا؛ فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم: (مقلوبًا)”.
وبناء على هذا فإن ابن الصلاح ومن تابعه وجماعة من أهل العلم ، لم يأت في تعريفهم إلا القلب في الإسناد! وعلل أهل العلم سبب ذلك أنه قصدًا للغالب والأكثر من صور القلب وهو القلب في السند.
قال السخاوي: “وقسّموا (أي: أهل الحديث) المقلوب السندي خاصة، لكونه الأكثر كاقتصارهم في الموضوع على المتني لكونه الأهم”.
قال عطية الأجهوري: “وهذا التعريف يخص القلب في السند واقتصر عليه في التعريف لكثرته في السند وقلته في المتن”.
قال اللكنوي: “ومقلوب السند أكثر وقوعًا بالنسبة إلى مقلوب المتن ولذا سكت عن ذكر مقلوب المتن كثير من المصنفين في هذا الفن”.
وقد ذكر ابن حجر مثالًا للقلب في المتن حيث قال: “وأمّا في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنًا أو متونًا ليست فيها كنسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة، وقد زاد فيها،
وكنسخة مالك عن نافع عن ابن عمر زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليست فيها، منها القوي والسقيم وقد ذكر جلّها الدارقطني في غرائب مالك”.
وقد اقتصر بعض العلماء الذين جاؤوا بعد ابن الصلاح على نحو تعريفه ابن الصلاح مقتصرين على تعريف المقلوب بحسب الغالب والأكثر؛ من هؤلاء:
ـ ابن دقيق العيد، والذي اقتصر على تعريف القلب في السند، مقتصرًا على صورة واحدة منه وهي إبدال راوٍ في السند بآخر في طبقته.
والذهبي، حيث اقتصر على تعريف القلب سندًا، فذكر صورتين منه؛ القلب بتركيب إسناد حديث إلى متن آخر بعده، أو أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: “مرّة بن كعب” بـ “كعب بن مرّة”، و “سعد بن سنان” بـ “سنان بن سعد”.
وابن الملقن، حيث عرّف القلب مقتصرًا على القلب في السند، فقال عن القلب إنه: “إسناد الحديث إلى غير راويه”.
أما إذا جئنا للزركشي، فقد عرف المقلوب بقوله: “جعل إسناد لمتن آخر وتغيير إسناد بإسناد”، ويلاحظ أن الزركشي اعتبر تعريفه هذا مبينًا لحقيقة المقلوب، وقاله بعد أن تعقّب ابن الصلاح في تعريفه بقوله: “لم يتعرّض للقلب في المتن”.