عادل القليعي يكتب روحانيات .. عيدكم مبارك
أبدأ مقالتي بقوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس)
نعم صدقت ربنا في ما قلت ، فلله الحكمة البالغة في تداول الأيام والشهور والدهور ، لإثبات حركية واستمرارية الحياة ولإثبات إعجاز الله سبحانه وتعالى وأنه بيده كل شيئ وأنه مهيمن على كل شيئ ، فسبحان من بيده كل شيئ وإليه يرجع كل شيئ ولا أحد بيده شيئ رغم أنف الحانقين الحاقدين الكارهين له جل وعلا ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
ها هي الأيام تمضي مسرعة ، فما أن استعددنا لاستقبال رمضان ، ها نحن نستعد لتوديع هذا الشهر الفضيل ، (أياما معدودات)، نعم أيام تعد على أصابع اليدين ، وكما أخبر الصادق المصدوق ، لو علمت أمتي الخير الذي في رمضان لتمنت أن يكون العام كله رمضان ،لكن هي سنة الله في خلقه (ولن تجد لسنة الله تبديلا)، فما خلق الله الليل إلا ليأتي بعده صبح وإشراق.
لكن العاقل من عقل المسألة واغتنم هذه الفرص والرحمات والنفحات الربانية ، ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها ، لعل الله سبحانه وتعالى يتعطف علينا ويصلح أحوالنا ويطيب نفوسنا ويرقق قلوبنا ، ويكشف عنا السوء بما شاء وكيف شاء ، لعل الله يرفع عنا هذا الغلاء وهذه الرزايا التي امتحنا بها ، فليس ثم عسر يدوم (إن مع العسر يسرا)، (سيجعل الله بعد عسر يسرا)، نعم من رحم كل محنة تولد المنح الربانية ، وفي هذه الابتلاءات والاختبارات امتحان من الله سبحانه وتعالى (ليميز الله الخبيث من الطيب)، وليعلم الصابرين المحتسبين.
نعم أعطانا الله هذا الشهر الكريم الذي لم يتبقى منه إلا أياما قليلة ليشعر بعضنا ببعض ، ليشعر الغني بالفقير ويعطيه مما أعطاه الله ، لنصل فيه الأرحام ، لنعمر فيه المساجد وأتمنى ألا تشتكي إلى الله بعد انتهاء رمضان من ندرة المصلين ، أعطاه لنا الرحمن رحمة بنا ففيه ليلة خير من ألف شهر ، فيها يفرق كل أمر حكيم ، ليلة الغفران والعتق من النيران ، فخسر خسرانا مبينا من لا يغتنم هذه الهبات الربانية ، والمكرمات المحمدية ، فلا تتكاسلوا عن الطاعة فرب رمضانيه رب كل الشهور ولنا في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى فالعام كله عندهم رمضان.
نعم أعطانا الله هذا الشهر الذي خص فيه أمتنا بالبر والإحسان والفضائل الربانية والهبات الصفائية وهذا دليل لا يخالطه شك دليل على مدى محبته لنا سبحانه وتعالى ومدى عنايته بنا ، فهو لا يرضى لنا إلا الخير لماذا ؟!، لأنه تعالى هو الخير ولا يرضى لنا إلا الخير والإحسان ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، فاحسانك له تعالى هو فى الأصل إحسان لنفسك وسيعود عليك وعلى من تعول وعلى مجتمعك الذي تحياه ، مصداقا لقوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله جميعا ، والله هو الغني الحميد)، نعم غني حميد (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما)، وشكر الله تعالى بالإحسان إليه من خلال إحساننا في ما بيننا من خلال توادنا وتعاطفنا وتراحمنا وتعاوننا في ما بيننا ، نتعاون على البر والتقوى.
إحساننا في رفق الكبير بالصغير ، وأدب الصغير واحترامه للكبير.
نعم رأينا ذلك في رمضان ، رأينا الشباب والشيوخ الكل يسعى ويتسابق إلى عمل الخير.
فيا ليت شعري أن يستمر ذلك بعد رمضان.
ثم يختمها الله تعالى بليلة العيد ، التي يتجلى فيها الله تعالى على عباده بنظرة رضى ، ومن ينظر إليه الله لا يشقى أبدا ، ليلة يقول عنها الله تعالى ، العمال أوشكوا أن ينتهوا من أعمالهم وتكليفاتهم بكل حب وود وإخلاص ، وحق على الكريم أن يتكرم على عباده ، فيعتق الله تعالى أضعاف أضعاف من كان قد أعتق رقابهم من النار طيلة الشهر الفضيل.
لا أوحش الله منك يا شهر الصيام ، لا أوحش الله منك يا شهر القيام ، لا أوحش الله منك يا شهر القرآن ، لا أوحش الله منك يا شهر الخيرات واليمن والبركات ، لا أوحش الله منك يا شهر الصدقات ، لا أوحش الله منك يا شهر المحبة والأخوة.
وقبل أن أختتم حديثي ، ابحثوا عن الأيتام وامسحوا على رؤوسهم ، ابحثوا عن الأرامل والثكلى والمكلومين وطبطبوا عليهم ولا تشعروهم بألم الفقد والحرمان ، طبطبوا على المساكين ، كونوا بجوار المرضى والمنكوبين لا تجعلوهم يحسوا بمرارة وآلام المرض ولو حتى في يوم العيد.
وأوصيكم وأوصي نفسي ، بالتحلى بقيم الحب والسماحة والإخاء ، والتحلى بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، والتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم ، وعدم زيارة المقابر في يوم العيد ، فهذا يوم فرح وسعادة وسرور ، فليس ثم داع لتقليب الأوجاع والأحزان خصوصا وأن كثيرا ممن فقدوا أحبابهم مصابون بأمراض مزمنة فلا داع فى زيارة المقابر في هذا اليوم ، كذلك تجنبا لما يحدث من الاختلاط بين النساء والرجال ، فبدلا من أن يكون عيدا لنا يكون عيدا وسوقا للشيطان الذي يتحين الفرص لإيقاعنا في الموبقات المهلكات ، وإن كان ولابد من الزيارة فزوروا ما شئتم قبيل العيد.
نعم عساكم من عوادة.
كل عام أنتم بخير وصحة وعافية.