كُتّاب وآراء

رانيا عاطف تكتب .. بأي معنى يكون التسامح؟

لا شك أن التسامح يعد مبدًأ أخلاقيًا وقيمة إنسانية سامية، وهو أحد أهم مبادئ تعزيز العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد أو بين المجتمعات وبعضها البعض، كما أنه يُعد أساسًا لكثير من القيم الأخلاقية مثل قبول الاختلاف، احترام الإنسان لكونه إنسانًا يجب أن يحترم لذاته، احترام حرية التعبير عن الرأي أيًا كان هذا الرأي، وإدراك أهمية تطبيق مبدأ العدالة في المجتمع.

ومن هنا يأتي السؤال: بأي معنى يمكن أن يكون التسامح؟ وهل يُعد التسامح صفة ذاتية قاصرة على شخص بعينه؟ أم هى صفة اجتماعية يمكن أن تتجسد في مجتمع بأكمله؟

لقد تم تقديم العديد من التعريفات لقيمة التسامح، إلّا أنه يمكننا القول بأن مفهوم التسامح بأبسط معانيه يمكن فهمه كصفة ذاتية وصفة اجتماعية في الآن نفسه، حيث يتبلور التسامح كصفة ذاتية في قبول الإنسان لذاته من حيث كونها ذاتًا بشرية مهما تسامت لا يمكن أن تصل لمراتب الكمال المطلق أبدًا، ومن ثمّ يُعد فهم الإنسان لذاته وطبيعته واعترافه بأخطائه وعثراته – لأنه إنسان يصيب ويخطئ- الخطوة الأولى للتسامح مع الذات، ومحاسبتها بما يتوافق مع طبيعتها البشرية، وكذلك يكون التسامح أيضًا خطوة مهمة نحو قبول الآخر المختلف والتعامل معه تعاملًا سلميًا، إذ لا مكان ولا مجال لعنف أو تعصب بين أناس عرفوا معنى التسامح وأدركوا قيمته وطبقوه في علاقاتهم، ومن ثم يكون التسامح أيضًا المبدأ الأساسي لقبول التعدد والتنوع والاختلاف سواء بين أبناء المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المختلفة، كما يتبلور مفهوم التسامح من حيث كونه صفة اجتماعية في احترام أبناء مجتمع ما لثقافة وهوية المجتمعات الأخرى، إذ أن لكل مجتمع هوية تميزه وثقافة يرتضيها أبناؤه يجب أن تحترم.

فليس الهدف أن نتفق جميعًا على ثقافة ما أو سلوك بعينه؛ لأن هذا الاتفاق ربما يكون محالًا، وإنما يجب أن يكون الهدف هو أن نتعلم كيف نختلف، فللاختلاف أخلاقيات يأتي في مقدمتها الإيمان بأن هذا الاختلاف يعد سنة كونية يجب قبولها، مما يتطلب تنمية روح التسامح واحترام التعددية بشتى صورها وترك التعصب والتشبث بالرأي الواحد جانبًا إذا ما أردنا النهوض بالمجتمع وتحقيق التقدم، فليكن مبدأنا لا مانع من أن نختلف كما شئنا ولكن يظل احترامنا لبعضنا البعض مبدأنا ويظل تسامحنا متجسدًا في علاقاتنا مع بعضنا البعض، وليكن تسامحنا بالمعنى المطلوب باحترامنا لذواتنا دون رفض طبيعتها التي ربما تؤرقنا في بعض الأحيان واحترامنا لغيرنا مهما اختلف معنا.

فليكن تسامحنا رحمة فيما بيننا، فليكن تسامحنا رفضًا لكل عنف يمكن أن ينال الإنسان، فليتمثل تسامحنا في حب الخير لغيرنا حتى إن لم يحقق نفعًا لنا، فليكن تسامحنا في تحقيق تقدمنا دون إلحاق الضرر بغيرنا، فليتجسد تسامحنا في إيماننا بأنه لا خير في مجتمع لا يراعي القيم الإنسانية، فليكن تسامحنا تطبيقًا لا تنظيرًا فحسب.

 كاتبة المقال ..باحثة دكتوراة فلسفة، بكلية الآداب جامعة المنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى