رانيا عاطف تكتب..تقدير من يستحق التقدير حق آدمي يجب احترامه
“لمن نصفق؟ ولمن يجب أن نصفق؟”كان هذا السؤال المهم عنوان مقال في غاية الأهمية بدءًا من عنوانه وحتى آخر كلمة في محتواه للفيلسوف المصري القدير الأستاذ الدكتور بهاء درويش أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا ونائب رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونسكو، باريس.
حيث اعتاد فيلسوفنا نشر مقال أسبوعي بموقع 30 يوم يناقش من خلاله قضية مهمة أو يطرح حلًا لمشكلة ما أو ينشر من خلاله قيمة أخلاقية، إلا أن هذا المقال الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن قد جاء ليجيب عن سؤال ارتأت كاتبة هذه الأسطر أن الإجابة عنه تعد حلًا لكثير من مشكلاتنا وتصحيحًا لأفكار مغلوطة هيمنت على ساحة الفكر الآن.
ناقش هذا المقال موضوعًا في فلسفة الرياضة إلا أن القارئ لهذا المقال ربما يجده لا يقتصر محتواه على فلسفة الرياضة بعينها وإنما يصلح للتعميم على كثير من الفلسفات والأفكار، فقد أظهر هذا المقال مدى تأثير الرأسمالية على معظم مناحي الحياة ما أدى إلى تغيير معايير التقييم بعدما كان البقاء للأكثر تميزًا سيطرت المادية وجعلت الإنسان أشبه بسلعة تباع وتشترى بالمال، مما جعلنا نصفق الآن لمن امتلك المال لأنه القادر على امتلاك كل شيء، فهو قادر على تحقيق النجاح من خلال شراء أسبابه بهذا المال.
والحقيقة أننا لا يجب أن نصفق إلا لمن يستحق ومن يستحق هو الأفضل في ذاته دون تأثير أي عوامل خارجية عليه مثل المال الذي حول اللاعب في المجال الرياضي على وجه الخصوص والإنسان في كثير من المجالات بشكل عام إلى سلعة تباع وتشترى به،رغم كون البشر لا يمكن أن يكونوا هكذا لأن ذلك يتنافى مع الطبيعة البشرية والكرامة الإنسانية.
كما أظهر هذا المقال أيضًا حقيقة مؤلمة تتمثل في الخطر الذي يمكن أن تواجهه البشرية عندما تسيطر الرأسمالية على نواحي الحياة المختلفة بما فيها المجال الرياضي، حيث أكدعلى فكرة ربما تكون غائبة عن الكثيرين وهى كيف أن الأفضل الذي لا يمتلك المال ربما لا يستطيع مضاهاة غيره وممارسة حقه في تنافس شريف متكافئ مع نظيره يؤدي فيه كل طرف ما عليه من واجبات ويتحرى أسباب الفوز والنجاح وهو على يقين أن أدائه لواجباته كما يجب أن يكون هو سبيله الوحيد لتحقيق غايته ولجعله الأفضل.
أثار هذا المقال القيم في ذهن كاتبة هذه الأسطر مجموعة من الأسئلة المهمة منها:
-إلى متى ستظل قيم الرأسمالية هى التي تقود الإنسان وتوجه تفكيره؟
– متى سيكون التصفيق والتقديردائمًا للأفضل أيًا كان مجاله ووضعه المادي؟
– كيف يمكننا العودة بالإنسان إلى آدميته واحترام عقله وقيمه ليتمكن من إثبات تميزه كإنسان دون أي اعتبارات أخرى أو ضغوط خارجية؟
– ماذا عن الهدف الحقيقي للرياضة الذي يتمثل في ” تحقيق سعادة اللاعب والمشاهد” في ظل هيمنة الرأسمالية على أصحاب القرار فيها؟
– وماذا عن حقوق بعض البشر الذين لا يستطيعون إثبات أنفسهم لعدم امتلاكهم المال؟ أليس ذلك يعد دعوة للتكاسل وعدم الجد والإخلاص في العمل إذ طالما أن النتيجة ستكون لصالح من امتلك المال – في هذه الحالة- فلم الجد والاجتهاد؟
ربما في هذا السؤال الأخير تكمن صعوبة تصور هيمنة الرأسمالية وجعلها المعيار الوحيد لتحقيق النجاح وبطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على اللاعب في المجال الرياضي وإنما يمتد ليشمل الإنسان بما هو إنسان أيًا كان مجاله، ومن ثم يمكن القول بأنه لا يمكن بأي حال لإنسان اصطفاه الله واستخلفه في أرضه أن يتحول لشيء يباع ويشترى أيًا كان الهدف من ذلك ومهما كان لأن هذا يتنافى مع ما تقتضيه حقوق الإنسان وتقدير من يستحق التقدير، ومن ثم لم يقتصر الرفض لهيمنة الرأسمالية فحسب وإنما يجب أن يكون الرفض التام أيضًا لأي فكر أو سلوك يمكن أن يسلب الإنسان حقًا من حقوقه ويعتدي على آدميته بأي شكل من الأشكال…