جمال أبو الفتوح يكتب : سندريلا .. والأمير الأوربى
سعدت كثيرًا بانطلاق فاعليات ما يسمى بالشراكة الاستراتيجية مع أوربا ، خاصة بعد أن تسابقت وسائل الإعلام فى كشف مفاتن هذه الشراكة ،حتى كاد البعض أن يهيم عشقًا بها مأخوذًا بسحر جاذبيتها السياسية، وهم معذورون فى ذلك، لأن دول الاتحاد الأوربى من أهل القمة فى عالمنا .. وعندما يأتى حفنة من قادة هذه الدول إلى بيتك ليخطبوا ودك فإنه مؤشر واضح على علو شأنك وتزايد أهميتك ويدفعك إلى الشعور بالفخر ببلدك التى “ناسبت الكبار” بلغة البسطاء.
وقد يعتقد الخبثاء أن هذا الأحساس بالفخر وليد عقد نفسية مجتمعية ، تعانى منها مجتمعات دول العالم الثالث .، بسبب الهوة السحيقة بينهم وبين أهل القمة .. والتى تتجلى بوضوح فى مقارنة الأوضاع الاقتصادية هنا وهناك .. فأهل القمة يسبقونا بقوة فى حجم الناتج القومى ومتوسط دخل الفرد , نتيجة التقدم فى مجالات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا , ناهيك عن الهيمنة على استخراج الثروات البترولية والتعدينية فى أنحاء العالم من خلال شركات عملاقة عابرة للقارات.
وأزيدك من الشعر بيتًا إذا أضفنا أن شركائنا الجدد يسبقوننا بمسافات شاسعة فى مجالات التعليم الأساسى والجامعى والبحث العلمى وكذلك فى مجالات الصحة والبيئة وغيرها
وقد يتسائل البعض :ما الذى يدفع الأمير الأوربى الى خطب ود بلدنا الحبيب وكأنها الفتاة الفقيرة فى قصة الأطفال الشهيرة ساندريلا
سندريلا .. وحذائها الزجاجي
وبالمناسبة فان أمير سندريلا بذل جهدا كبيرا فى الوصول اليها من خلال حذائها الزجاجى.. وتزوجها فور عثوره عليها , رغم فقرها وقلة حيلتها , لأنه كان نبيلًا راقيًا , لا يعرف المراوغة ولا اللعب ” ببنات الناس ” واستغلال فقرهن واحتياحهن.
وكان هذا الزواج بمثابة شراكة استراتيجية حقيقية تحولت بعدها ساندريلا من فتاة معدمة إلى أميرة الأميرات, لا تقل مكانتهاالاجتماعية عن مكانة الأمير شخصيا .
هذا فى عالم القصص الخيالية الرومانسية الحالمة .. أما فى الواقع فالأمر مختلف .. فالشراكة فى السياسة الدولية هى مجرد تسمية لعملية تبادل المصالح ليس إلّا, ويرجع إطلاق صفة الاستراتيجية لتأكيد جدية الموضوع محل الشراكة.. فالكل يعلم أن” الحدأة “بتاريخها الاستعمارى المقِيت لا يمكن أن تقذف بالكتاكيت من السماء.
وبات واضحًا أن مشاريع الشراكة الاستراتيجية بين شمال وجنوب البحر المتوسط , والتى جرت مؤخرًا مع تونس ثم مصر, تركز على مسألة منع الهجرة غير الشرعية التى تقلق منام الجانب الأوربى ، خاصة مع تمدد الأحزاب اليمينية المتطرفة ووصولها الى سِدة الحكم فى عدد من البلدان الأوربية , وتتسم السياسات الاستراتيجية لهذه الاحزاب بكراهية الأجانب خاصة القادمين من أفريقيا.. وفى المقابل تقدم هذه الدول حزمة مساعدات لا تثمن ولا تغنى من جوع لشركائها الاستراتيجيين بهدف تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية ,و بما يساعدهم على اتمام مهمة التصدى للهجرة غير الشرعية ومنع الاتجار بالبشر .
شراكة من نوع آخر
وبالمناسبة يعرف خبراء السياسة معنى الاستراتيجية عامة بأنّها خطة طويلة الأمد للوصول إلى هدف ما، سواء في الحرب، أو السياسة، أو الأعمال، أو الصناعة، أو الرياضة، وغيرها، …وهذا يعنى بان مساهمتنا فى حل عقدة أوربا من اللاجئين قد تطول لفترة غير قصيرة .
ولست متشائما .. بل إننى أحلم بشراكة من نوع اخر .. بشراكة يأخذ فيها أغنياء العالم بيد فقرائه حتى يرتقى الجميع، وأن يتلقى أطفال العالم جميعا نفس القدر من التعليم والرعاية الصحية والحياة الكريمة، وهذا هو الحل الجذرى والوحيد لمنع الهجرة غير الشرعية الى الأبد.