الدكتور بهاء درويش يكتب .. لمن نصفق ولمن يجب أن نصفق
تندرج ضمن مباحث الفلسفة، مباحث فلسفات العلوم مثل فلسفة العلم”،“ فلسفة السياسة”،“ فلسفة القانون وغيرها من مباحث فلسفة العلوم. نعني بهذه المباحثالحديث عن معنى ومغزى وهدف ذلك الذي أضفناه للفلسفة.
ففلسفة العلم تبحث في معنى العلم ومنهجه وكيفية تطوره، وفلسفة القانون تبحث في معنى القانون ومغزاه وفائدته إلخ.
نريد أن نناقش الآن موضوعا يندرج تحت فلسفة الرياضة، أي الرياضة البدنية وليس الرياضيات. تهدف فلسفة الرياضة- وبشكل خاص رياضات الفرق الجماعية- إلى خلق وتعميق روح التنافس الشريف بين اللاعبين وتعويدهم على أن من يمارس بشكل أفضل فهو المستحق للفوز وبالتالي تدفع كل فريق إلى التفكير في خطط يفوز بها وهو ما من شأنه تنمية التفكير الاستراتيجي والإبداعي وفهم أهمية العمل الجماعي.
كما أن الرياضة تقرب الشعوب والجماعات من بعضهم البعض بجعل التنافس بين الأفراد بغض النظر عن قومياتهم، أديانهم، أو جنسياتهم هو معيار التفوق بعيدا عن دروب السياسة. هل هذه القيم النبيلة متحققة تحققا واعيا من خلال سياسات التنافس الرياضي الراهنة؟ لن أجيب ولكني سأترك الإجابة للقارئ.
لنأخذ كرة القدم من حيث إنها أكثر اللعبات الجماعية شعبية مثالا على ما سنناقشه. أصبح هم كل فريق الآن شراء أمهر اللاعبين ليلعبوا باسم النادي الذي اشتراهم، وبالتالي تحول التنافس الرياضي إلى تنافس رأسمالي. أضحى هم كل فريق شراء الأفضل من اللاعبين والمدربين من أجل الفوز. ولما كان الأفضل هو الأغلى ثمنا، لم يعد بمقدور من لا يملك المال أن يفوز لأنه ليس لديه القدرة على شراء الأجود. توارت أهداف الرياضة حين لوثها المال لينسى المشاهدون أن من يجب أن نصفق له هو الفريق صاحب الروح الرياضية الأكثر مهارة.
نعم يفوز الفريق الأكثر مهارة ولا ننكر أن أعضاءه في الأغلب تتمتع بالروح الرياضية ولكن فوزه جاء نتيجة أن من كونه وأتى بهذه التوليفة من اللاعبين والمدرب إدارة أو مالك قادر على الدفع وإذا لم يكن قادرا على الدفع والشراء لن يذوق يوما طعم الفوز. اختلط طعم الفوز بطعم المال وصار الجمهور يهلل للفائز وهم لا يدرون أنهم يهللون للمال. هل يمكن القول إن المباراة التي تقام بين فريق يمتلك ميزانية جيدة يشترى بها أفضل اللاعبين وفريق لا يمتلك ما يشتري به لاعبون على المستوى ذاته مباراة تنافسية؟ هل التنافس هنا تنافس رياضي بحت بين لاعبين ومدرب يحاول كل منهم إظهار ما لديه من مهاراتأم أنه في حقيقته تنافس مادي؟
كان من الممكن استثناء المباريات التي تقام بين الفرق القومية، لأن الفرق القومية تتكون من أبناء الجنسية الواحدة دون أن يكون اللاعبون بالضرورة هم الأمهر. ولكن لما كانت بعض الدول تعرف أنها لن تفوز إلا بالأمهر، والأمهر ليس من أبناء وطنها، فقد سعت لشراء بعض من قد يأتي لها بالفوز ومنحه الجنسية التي تخول له اللعب مع الفريق. وهكذا يظل الفوز دائما للمال.
والتصفيق للأثمن الذي يقاس بالمال لتتوارى خلف المال قيم كثيرة في أكثر الميادين احتياجا لإعلاء شأن القيم الأخلاقية وهو ميدان الرياضة.
ولكن ماذا عن التنافس الموجود في مسابقات الهواة؟ يبدو أنه تنافس حقيقي وليس تنافسا بين أصحاب المال؟ نعم ربما كان هذا صحيحا ولكن سطوة المال تجعل هذه المسابقات للأسف مسابقات في الظل لا يتابعها الكثيرون، ليكشف الوضع مرة أخرى على أن التصفيق تصفيقا للمال وليس للمهارة أو الروح الرياضية أو غيرها من قيم الرياضة.
يكشف توضيح هذا الوضع أهمية الفوز بالنسبة للإنسان وهو ما يوضحه صراخه عندما يفوز فريقه. ولكن هل هو أمر طبيعي ألا يفكر السعيد بالفوز ولو للحظة في هوية الفريق الذي يدعمه ويناصره أوكيف تكون أم أن عدم تفكيره في ذلك قصور لديه؟ يبدو أنالمهم للمرء هو الفوز وليس كيفية تحقيق الفوز.
ولكن إذا تساءلنا: لماذا صار الحال على هذا النحو، فالإجابة الواضحة أن قيم الرأسمالية لا زالت هي ما يقود تفكير الإنسان المعاصر وتمثل الخلفية التي توجه سلوكه. علم بذلك أو لم يعلم.
Elsayed. baha @ mu. edu. eg
مقال ممتاز من أستاذ وعلامة ليس فقط فى الفلسفة ودروبها وتشعباتها ، بل فى المنظومة الأخلاقية عامة وكيفية استخدام واستفادة علم الأخلاق من العلوم الدينية والإجتماعية والإنسانية فى البحث العلمى وفى التطبيق العلمى والعملى فى الحياة اليومية ، حتى لا يكون الفلاسفة فى أبراج عاجية بعيدا عن أخطاء البشر وهمومهم . تحية وتقدير لسيادته واسهاماته المبتكرة فى العلوم الفلسفية والمزج بينها والعلوم الإجتماعية والإنسانية .
ما اروع تحليلكم وربطكم للفلسفة ورياضة شعبية اغلب المصريين يتابعونها فليعلموا ان للرياضة ايضا فلسفة