عادل القليعي يكتب .. ليس الإيمان بالتمني .. ولكن !
قد يتبادر لذهن القارئ الكريم لأول وهلة عندما يرى هذا العنوان ، يتبادر لذهنه أن الكاتب سيتحدث حديث علماء الدين عن هذا الموضوع وأنه سيعرض للمحاورة التي دارت بين النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وسيدنا الأمين جبريل عليه السلام وتفرقتهما بين الإيمان والإسلام.
أو أن الكاتب بوصفه باحث في الفكر الإسلامي سيتناول القضية من خلال الفرق الكلامية سواء الخوارج أو المعتزلة أو الأشاعرة ، أو فرقة الماتريدية من أن الإيمان يزيد وينقص وتضارب أقوالهم حول هذا المشكل.
لكن طرحي في هذا المقام سيكون مختلفا ، فما المقصود بالإيمان ؟!
هيا معي نتعقل المسألة عارضين إياها على العقل ، لو سألنا العقل ما الإيمان سيرد قائلا أن يؤمن المرء بشيئ أى يعتقد في يقينيته سلبا أو إيجابا ، إيجابا مثلا أن نصدق عقلا أن سنة كونية هى التي جعلت الشمس تشرق في موعدها كل صباح وأن ثم خالق هو الذي وهبها القدرة على الإشراق.
أو سلبا أن يعتقد بعض الناس أن ظهورها أو غيابها يقع مصادفة أو اتفاقا ، وهذا اعتقاد فاسد مبني على قياس خاطئ ، فلو عرضنا الأمر على عقولنا فليس ثمة شيئ يقع بالصدفة وإنما لعلة أوجدته وتسببت في حدوثه.
إذن الإيمان هنا أن يعتقد الإنسان في شيئ يؤمن به.أما صور الإيمان: فكثيرة صوره ،منها الإيمان الذاتي ، كأن يؤمن الإنسان بذاته ، بشخصانيته ، بكل ما يفعله وما يدور بخلده ، وما يمليه عليه ضميره الخلقي في ما ينبغي عليه أن يكون سلوكه قبله محيطه الذي يعيش فيه أم لم يقبله وهنا سيتحمل خياراته وإيمانه بما يفعل.
كمن يؤمن باعتناق فلسفة معينة كالوجودية أو الماركسية أو العلمانية ، أو كمن يعتنق فكرا إلحاديا أو تكفيريا ، المهم تكون لديه القدرة على المواجهة والثبات بالحجة والدليل أمام أية إنتقادات ستوجه له ، وإلا ستحدث له بلبلة وزعزعة في ما هو مؤمن به.
ومن هذه الصور أيضا الإيمان الجمعي ، بمعنى أن يؤمن الجميع ويعتقد في أمر ما ، وهذا يأخذ مدلولات كثيرة أهمها ما تقدمه الأديان من منتج ديني يؤمن به من يعتنق هذه الأديان ، الإيمان مثلا بتحقيق السعادة في الآخرة في مدينة الله أو دخول الجنة للمؤمنين ودخول النار للعاصين ، لكن الإيمان الجمعي هنا يتخلله خصوصية هذه الخصوصية هي اختصاص أهل الأديان بذلك وهم الغالبية العظمى أما ظهور حالات فردية فلا تؤثر تأثيرا كبيرا.
كذلك من صور الإيمان الإيمان المجتمعي بمعني الإيمان بقضية ما كقضية المواطنة ، فليس ثمة مواطن من الدرجة الأولى ولا مواطن من الدرجة الثانية ، أو هذا مسلم وآخر مسيحي ، فالكل مواطن من الدرجة الأولى ليس ثم فرق بل الجميع شركاء في الوطن دونما عنصرية أو طائفية.
كذلك يتفاوت الإيمان الجمعي سلبا وايجابا ، فسلبا كأن تنكر طائفة مثلا فكرة قبول الآخر ، وفكرة محاورته من أجل بسط هيمنتهم وانفرادهم بالقرار ، وهذا في حد ذاته جد خطير فقد يؤثر على توازن وتكامل المجتمع بل وقد يضرب البناء الثقافي في الصميم.
وايجابا كأن يسعى الجميع لتحقيق ما يسمى بالسلم العام أو السلام العالمي ، فأصحاب الشخصيات السوية يقبلون ذلك ويسعون سعيا حثيثا لتحقيقه بل ويؤمنون به إيمانا مطلقا بل ويفعلون كل ما في وسعهم لتحويله من استسلام إلى سلام ، فشتان بين المصطلحين.
حتى وإن كان هناك بعض المعطلة والمعرقلة ، فعندما يجدون الجميع قد أجمع على هذا الأمر فإنهم سيتراجعون بل وسيراجعون مواقفهم ، لماذا ؟!
لأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يعيشوا منعزلين منبوذين ، حتى وإن أخذوا المسألة من منظور البراجماتية والمنفعة فسينصهرون في المجتمع وبالتأكيد سيثمر هذا الانصهار إيمانا حقيقيا بما يفعلونه ويقدمون عليه حبا في ما يقومون به وسيتحولون من طبقة مفسدة كارهة للسلم إلى طبقة صالحة مصلحة ، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة فكم من قتلة شهد التاريخ أن إيمانهم ودأبهم وديدنهم القتل ، تحولوا إلى عباد وزهاد عن طريق انصهارهم في المجتمع مجتمع الصالحين الأخيار.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان