كُتّاب وآراء

دكتور بهاء درويش يكتب .. قيمة الحياة

ما يجعل للحياة قيمة أن يحيا صاحبها وفقاً لقيم معينة هي ما تمثل له الحياة، وهو ما يعني أن غيابها هو الموات. عندئذ تكون للحياة معنى وتحقق أهدافها، بل ويكون للموت أيضاً معنى إذا كان هو ثمن رفض الحياة بدون التمسك بهذه القيم.

ربما يرى البعض في التفكير على هذا النحو بعداً عن الحكمة وتشدداً لا معنى له، إذ ماذا يعني الموت في سبيل قيم صعبة المنال؟ أليس من الحكمة خفض الشراع في مواجهة الرياح؟

نعم، قد يكون هذا صحيحاً إذا كان هناك احتمال أن تهدأ الرياح بعد فترة، وتواصل السفن إبحارها. أما متى كانت المسألة حياة أو موت، فلا سبيل لخفض الشراع. إذأن خفض الشراع يسهل للعدو قتلي، وتمسكي بقيمي سيجعله يعلم أن قتالي ليس أمراً هيناً.

ولكن ما ضمان أن تكون القيم التي أحيا بها هي بالفعل قيم الصواب لا قيم الخطأ ، قيم الحسن لا قيم القبح، قيم النجاح لا قيم الفشل الذي أكتشف معه بعد فترةأني كنت واهماً؟

أنطلق من القناعة بأن الصواب والخطأ فطريان. فمتىأراد الطفلأن يفعل الخطأ ، تجده ينظر يميناً ويسارا للاطمئنان أنه لا أحد يراه. كيف عرف الطفل أن ما سيفعله خطأ وهو لم يصل لسن التعلم والاكتساب بعد؟

مشهد آخر تجسده الدراما وهو مشهد اللص وهو يدعو أن يستره الله أثناء السرقة أو يغطي وجهه ورأسه حتى لا يُعرف. فالخطأ والصواب أوضح من ان يحتاجا للتعليم.

من القيم التي يحتاج الخيّر أن يمارسها والتي تجعل لحياته معنى أيضاً- ولنجعل حديثنا للجميع وليس فقط لمحبي الخير عسى أن يكون لكلامنا وقع لديهم فنكسب بذلك عدداً أكبر من أهل الخير- هو ثقافة السؤال، السؤال عن الآخر بنية رفع الضرر عنه إن كان هذا في مقدورنا،إذ أن البعض يعتقد أن السؤال هو أن تسأل فقط، فإذا علمت أن بالآخر ضرر، كان الرد إظهار التعاطف معه فقط. ما قيمة هذا السؤال؟ فكل فعل بلا جدوى يتساوى مع اللافعل.

تأخذنا أمور الحياة اليوميةحتى نعتقد أن الوقت قصير وأنه لا يكفي حتى للسؤال عن أقرب الناس إلينا ونعتذر إليهم أن الدنيا قد تغيرت وأصبحت الحياة شاقة لا نجد معها وقتاً للسؤال. الحقيقة خلاف هذا، إذالمسألة مسألة تنظيم للوقت تحكمه إرادة صادقة في داخلنا ألا نجعل أمور حياتنا تقودنا بل نحن الذين نقودها ولا توجهنا بل نحن الذين نوجهها ونتحكم في وقتنا.

ماذا لو قرر كل منا أن يخصص كل يوم عشر دقائق فقط للمهمشين والفقراء والمحتاجين فيهتم بشأنهمويتذكرهم كل فترة- ولا أريد أن أقول كل يوم- بأي شكل من أشكال المساعدة. فما كانت المساعدة على الإطلاق مساعدة مادية فقط. لا أريد أن أقول أننا يجب أن نفعل هذا لأن هذا حقهم، حقهم في مساواتهم في الحياة الكريمة، وبالتالي فنحن ملزمون بذلك ولكن لكي نسعدهم فنسعد لسعادتهم.

إذ لا قيمة تعلو على قيمة إسعاد الغير. تأكد أنهم لن يكلفوك كثيراً. فهناك من يحيا لا يريد من الدنيا سوى سؤال عنه، ابتسامة في وجهه، طرقة باب، محادثة هاتفية. هذه الأمور ستحدث معه فارقاً كبيراً ، ستشعره بأنه إنسان مازال يحيا على وجه الأرض ، إذ منهم من لا يريد من الدنيا سوى هذا الإحساس: أن يشعر بأنه مازال يحيا.

Elsayed.baha@mu.edu.eg

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى