مجدي سلامة يكتب .. مشايخنا لا رضي الله عنهم
قالوا : التيك توك حرام… والطماطم مؤخرة الشيطان والدراجة حصان إبليس… والقهوة أخطر من الخمر… والكعب العالي والخيارمحرمة على الستات !
بينما يلملم 2023 أوراقه راحلا غير مأسوف عليه، أصدرت الجامعة البنورية – إحدى أشهر الجامعات الدينية في باكستان- فتوى تحرم استخدام “تيك توك”… لماذا يا سادة؟… قالوا: لأنه يتضمن فيديوهات مبتذلة تؤدي إلى الانحلال الأخلاقي ونشر الرذيلة والفحش في المجتمع، خاصة مع تضمنه مقاطع مصورة تستهزئ بالدين وعلمائه.
و المعنى ببساطة أن التيك توك حرام حسب تلك الجامعة التي تصف نفسها على موقعها الرسمي بأنها “جامعة إسلامية”، لم تدهشي الفتوى ولم أتوقف أمام شرعية التيك توك، ولكن ما استوقفني هو عقلية من يصدرون الفتاوي الدينية، وتلك هي كارثة الكوارثفمن يطالع سجلات الفتاوى سيصدمه كل ما سيجده داخلها… مثلا عندما أنشأ محمد على مدرسة الطب في بدايات القرن قبل أكثر من 200 سنة، ظهرت حاجة الطلاب إلى تشريح الجثث، فطلبوا فتوى من مشايخ الأزهر الذين رفضوا تماما التشريح وعندما عرض الأمر على “محمد على” فرفض فتوى المشايخ وأصدر أمرا بالسماح لطلاب الطب بتشريح الجثث…
وبعد قرن كامل من هذه الواقعة أباح شيوخ الإفتاء تشريح الجثث استنادا بأن الصالح العام والضرورات تبيح المحظورات!
وكان تدريس العلوم الحديثة ممنوعا في الأزهر، وأعلن الشيخ محمد عليش شيخ الأزهر (توفي في 1882) أن تعلم العلوم الغربية الحديثة غير جائز، وأن العلوم الواجب على المسلم تعلمها هي علوم الشريعة وبعض العلوم الخادمة لها، أما ما زاد على ذلك فلا يطلب تعلمه بل ينهى عنه، لأنه لا يجوز طلب العلم من الأجانب!.
و استمر هذا الحال الكارثي حتى صدرت فتوى بجواز تعليم العلوم الحديثة في الأزهر، إلا أن تطبيقها تأخر حتى أصدر الخديو عباس حلمي الثاني في نهايات القرن قبل الماضي قرارا بتدريس التاريخ والإنشاء والهندسة في الأزهر، لكن الدولة اتخذت خطوة للتحديث بعيدة عن الأزهر عندما أصدرت عام 1872 قرار بإنشاء مدرسة «دار العلوم» لتوفير عدد كاف من المدرسين الذين يجمعون بين العلوم الشرعية والعلوم الحديثة.
و أيضا الشيخ محمد الغزالي أفتى في الخمسينيات بحرمة خروج المرأة من بيتها، استنادا إلى الآية الكريمة التي تأمر نساء النبي بأن يقرن في بيوتهن، وقال “الغزالي” إن زوجات النبي هن القدوة والأسوة التي يجب أن يقتدي بهن المسلمات، وبالتالي فإذا كان الله قد أمرهن أن يقرن في بيوتهن، فيجب أن تحذوا المسلمات جميعا حذوهن، ولا يخرجن للعمل
وبعد أكثر من 30 عاما تراجع الشيخ الغزالي عن فتواه واعتذر عنها وأباح خروج النساء للعمل، وأفتي بأنه من حق المرأة أن تعمل في كل المهن ما عدا رئاسة الدولة!
و بعد 10 سنوات أخرى عدل الشيخ من فتواه للمرة الثالثة فأباح بأن تتولى المرأة رئاسة الدولة ! و من قبل واقعة الشيخ الغزالي، فعل الإمام الشافعي أمرا مشابها ففي أثناء إقامته في العراق، كانت له فتاوي عديدة، ولكن عندما انتقل إلى مصر، أفتي بعكس ما كان يقره في العراق، وقال إن الفتوى تتغير بتغير البيئة التي يعيشها المسلمون، وتلك هي القاعدة التي لا يعيها أغلب المسلمين الآن، ويعتبرون فتاوى المشايخ وكأنها هي الدين نفسه، رغم أنها مجرد اجتهاد بشري قد تخطي ء أو تصيب، وربما لهذا السبب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400 عام “استفت قلبك ولو أفتوك”
ومن يطالع ما يصدره المشايخ من فتاوى سيجد أن بعضها يثير الحزن على حال الفتوى أكثر مما يتأثر النور ويوضح طريق الحق والخير والصراط المستقيم فعندما ظهرت ألة الطباعة على يد الألماني جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر، اتفق المشايخ في فتاويهم على أن الطباعة حرام، وأفتوا بتكفير من يستخدمها !
و استنادا علي تلك الفتاوي أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني فرمانا بتحريم استخدام المطبعة بين رعايا الدولة العثمانية بدعوى الخوف من تحريف القرآن الكريم والكتب الشرعية، وبزعم أن الأحبار التي تستخدمها المطبعة “نجسة” ولايجوز كتابة إسم الله ولا القرآن الكريم بها !
و الغريب أن نفس السلطان اباح لليهود فقط بأن يطبعوا كتبهم الدينية في المطابع !
و استمر تحريم المطبعة في البلاد الإسلامية حتي عام 1727، وإقتصرالسماح بإستخدامها على طبع الكتب العلمية والأدبية دون الكتب الشرعية التي سمح بطباعتها بعد حوالي قرن آخر من الزمان!… ووقتها كان اليهود قد طبعوا ما شاءوا من كتب، وربما حرفوا في كثير منها، وبقيت تلك الكتب بذات الخرافات وتوارثناها جيلا بعد جيل !
القهوة كانت أيضا ميدان معركة ضارية من معارك الفتوى،، فعندما ظهرت لأول مرة في القرن السادس عشر، أفتى رجال الدين، بأنها مسكرة ومفسدة للعقل والبدن وخطرها أشد من الخمر !
و كان يتم جلد شاربيها، وحرق مخازن البن، وكم طارد رجال الأمن شاربيها، ولم يهدأ هذا الجدل إلا في مطلع القرن الثامن عشر عندما قرر بعض المشايخ أن يخوضوا التجربة، ويروا هل القهوة مسكرة أم لا، فشربوا جميعا، ووجدوا أنفسهم بعد شربها أكثر يقظة ونشاطا فأحلوا شربها ولكن بعد قرنين من ظهورها !
و عندما ظهر الصنبور أو الحنفية في نهاية القرن التاسع عشر أفتي الأزهريون الحنابلة بأن الصنبور بدعة وأن مياه الصنابير لا تصلح للوضوء والطهارة، بينما أكد أئمة الشافعية أن الأمر بحاجة إلى بحث طويل، وفي المقابل أفتى أئمة الحنفية بإباحة مياه الصنبور وجواز الوضوء منها، ومن هنا جاءت تسمية المصريين للصنبور بالحنفية !
في نهاية القرن التاسع عشر، نشبت معركة فقهية حادة بسبب الطماطم إلى تم جلبها إلى سوريا، فاستهجنها أهالي المدينة، ونفروا من استهلاكها وزراعتها بسبب لونها الأحمر المخالف لكونها من الخضروات، فأطلقوا عليها لقب “مؤخرة الشيطان ” وأصدر مفتي حلب فتوى بتحريم أكلها!… وطل التحريم لسنوات طويلة / حتى تمت إباحة أكلها !
و كان لبعض الفقهاء في العراق ودول الخليج موقف متشدد في مطلع القرن العشرين من قراءة الصحف والمجلات، فلم يحرموها فحسب،بل كفروا من يقرؤها بدعوى احتوائها على “حقائق علمية غريبة من قبيل كروية الأرض والتطعيم ضد الأمراض” على حد قولهم !
و وصل الأمر لدرجة أنه عندما زار صاحب مجلة المنار الشيخ رشيد رضا الكويت عام 1912، حاول البعض اغتياله بسبب امتلاكه لجريدة !
و في العراق عندما وصلت مجلة المقتطف المصرية إلى بغداد عام 1876 أجمع الزعماء الدينيون من الطوائف الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) على رفض قراءة الصحف… لماذا؟… قالوا: لأنها تحتوي على عقائد جديدة وخطرة !
و قبل أقل من قرن من الآن صدرت فتاوى سعودية تحرم ركوب الدراجة وأطلق عليها كثير من المشايخ “حصان إبليس”، وكانوا يعتقدون أنها تسير بواسطة الجن ويعتبرونها رجسا، ويتعوذون بالله منها سبع مرات، ويأمرون نساءهم بتغطية وجوههن عنها، وإذا لامست أجسادهم أعادوا الوضوء، ولا يقبلون بشهادة سائقها !
و في عشرينيات القرن الماضي وقف علماء الدين في جميع الدول الإسلامية ضد استخدام الاتصالات اللاسلكية لإرسال البرقيات واعتبروها وسائل شيطانية، ورأوا في الأربعينيات أن الشيطان هو الذي ينقل صوت الراديو، وعدلوا كلامهم هذا فقالوا إن الراديو عبارة عن حديدة تتكلم بما يضاهي قدرة الله في إنطاق خلقه !
في الستينيات طالت فتاوي التحريم التليفزيون لنفس الأسباب تقريبا، وقالوا عليه تندر “المفسديون”، وتوسع التحريم ليشمل أجهزة الفيديو والكاسيت، والتصوير الفوتوغرافي وصولا إلى فتوى تحريم الدش الشهيرة التي أطلقها مفتي السعودية الراحل ابن باز في التسعينيات، لتنتقل في مطلع الألفية الثالثة مع فتاوي تحريم الإنترنت وإصدار مفتي السعودية فتوى بتحريم الهاتف الخلوي المزود بكاميرا، وتم منع دخوله إلى الأراضي السعودية لعدة سنوات !
و توالت فتاوي التحريم لتصل إلى دنيا السوشيال ميديا، وأصدر “شوقي الأزهري” أحد دعاه السلفيين، وأحد خريجي الأزهر الشريف، فتاوى حاسمة تتعلق بالإنترنت وألفيس بوك، والسوشيال ميديا عموما، جمعها في كتاب، جعل عنوانه “الفيسبوك… آدابه وأحكامه”، وأفتي بحرمة تسمية أي حساب على ألفيس بوك بأي من أسماء الله الحسنى أو أو بأي اسم من سور القرآن الكريم… لماذا؟… قال “لضمان عدم الإساءة إليها من قبل أي أحد من مستخدمي ألفيس بوك”!
“الأزهري” حرم أيضا تسمية الحساب على ألفيس بوك بأسماء الأقباط والشياطين والفراعنة والفنانين… لماذا ؟… أجاب : لأن فيها فسقا ”
و تابع” لا يجوز أيضا تسمية حساب ألفيس بأسماء فيها “ميول شهوانية” مثل “أنا ضلوعه أوي” و “أنا جامد آخر حاجة”… كما لا يجوز تسمية الحساب باسم “هيام” لأنه يعني مرضا مجهولا يصيب الإبل “!
و واصل” الأزهري ” فتاويه ، مؤكدا حرمة اختراق الصفحات والحسابات، ماعدا التي تنشر المقاطع الإباحية أو التي تسيء إلى الإسلام أولاتي تنشر الإلحاد، وحرم” الأزهري “تحريما قاطعا وضع المرأة صورها على الفيسبوك، باعتباره من التبرج وإظهار الزينة المحرم، وإثارة الفتن”.
و أفتي “الأزهري” أيضا بتحريم “الشاة” علي ألفيس بوك بين الرجل والمرأة التي لا تحل له، واعتبرها خلوة غير شرعية!
ولو تركنا تحريم المخترعات ستصدمنا فتاوي المعاملات… ففي عام 1541ميلادية أفتي أحد رجال الدين الأتراك، ويدعى حسين بن عبد الله للشرواني ، بجواز قتل الشيعة وتكفيرهم، وقال بالحرف الواحد “من قتل واحد من هذه الطائفة الملعونة (يقصد الشيعة) فكأنما قتل وغزا سبعون نفرا من أهل الحرب بل أكثر”… والآن تركيا وإيران “سمن على عسل” – كما يقولون-
أحد من يطلقون على أنفسهم دعاه أفتي بأنه لا يجوز على النساء ملامسة الخضر والفاكهة التي تتخذ شكل العضو الذكري، مثل الموز والخيار والكوسة والباذنجان، مؤكدا أنها تثيرهن جنسيا، أو توحي بأفكار جنسية.!… وقال الشيخ إنه “في حال أرادت المرأة تناول إحدى هذه الخضر، فلا بد من طرف ثالث يعدها من خلال تقطيعها لأجزاء صغيرة تبعدها عن شكلها الأصلي”
الشيخ السلفي مصطفى العدوي، أفتي بعدم جواز لبس الكعب العالي خارج المنزل، وجواز لبسه فقط داخل المنزل من باب التزين للزوج، وقال “إذا كانت المرأة تلبس الكعب العالي لتتبرج به للرجال الأجانب فهذا محرم وممنوع، لأنه يحمل فسادا والله لا يحب الفساد” .
داعية يمني أصدر فتوى يحرم فيها جلوس النساء على الكرسي والكنبات لتعرضهن لنكاح الجن! في الوقت الذي أفتى الداعية المصري محمد الزغبي، بأكل لحوم الجن، إن تمكن الناس من ذلك، مشير في فتواه إلى أن الجن يظهرون في صورة الإبل والماشية .
و في السعودية أصدر عضو هيئة تدريس بجامعة الملك خالد فتوى بتحريم رياضة اليوجا، وأصدر عضو هيئة تدريس آخر في ذات الجامعة بفتوى تحرم على النساء والفتيات الجلوس أمام جهاز كومبيوتر مزود بخدمة الإنترنت دون محرم خشية أن تتم غوايتها في الدردشة.
وهكذا انشغل شيوخنا بالأمور الهامشية وتركوا أصل الدنيا وعمار الأرض… فلا رضي الله عنهم ولا أرضاهم.
مجدي سلامة
magdyahmous@ yahoo.com