كُتّاب وآراء

د. بهاء درويش يكتب .. حساب الذات للذات .. و داعا 2023

اعتدت مع اقتراب نهاية كل عام، أن ألخص اعتقاداتي وأرائي- تلك التي أسطرها في مقالاتي وأبحاثي أو تلك التي أكون قد توصلت إليها ولم تستح فرصة تسجيلها على الأوراق. أحببت هذا التقليد وأتمنى أن أستمر عليه تقييما للذات من عام لآخر.

فمن يدري لعل اعتقاداتي في ذلك الوقت من العام القادم تكون قد اختلفت وقناعاتي قد تغيرت. ولن يضيرني وقتها أن أقول إني كنت مخطئا وأن ما كنت أحسبه صحيحا لم يكن كذلك وأن ما كنت أنادي به وجب أن أذكر أنه لا يصلح للأخذ به.

وقد أكتشف أن قناعاتي بخصوص مسألة ما لا زالت كما هي لم تتغير. هذه- فيما أظن- هي صفة الباحث المخلص، فهو “باحث” أي يبحث عن الحقيقة، وهو “مخلص” لذا يجب أن يكون صادقا فيما ينتهي إليه من نتائج، وفي إعلانه- متى تبين له خطأ ما يعتقد فيه- أنه كان مخطئا. أحسبني كذلك ومن هؤلاء. ألست من أهل الفلسفة الباحثين عن الحقيقة؟

سأضع اليوم- بشكل ملخص- موقفي من الحداثة والهوية، وهما موقفان أعلنتهما عام 2021 ولم أغيره من ذلك الوقت بل أراني أزداد قناعة بهما كل يوم.

•  فيا من تبحثون عن “الحداثة” في وطننا المصري أو العربي، أو تتحسرون أننا لم نصل إليها، أسألكم: لماذا تصرون على متابعة الغرب في “مصطلحاتهم” وفي “المراحل التاريخية الفكرية” التي مروا بها ثم تلعنون مركزية الغرب وأنتم أشهر دعاته؟ تاريخنا غير تاريخهم، وثقافتنا غير ثقافتهم. لسنا في حاجة لا إلى متابعتهم في مراحلهم الفكرية، ولا في استخدام “مصطلحاتهم”. ألا تدرون أنكم بذلك تصرون على أن تكونوا تابعين؟ هل علمتم بتابع تقدم وأحدث نهضة لذاته؟ ربما كان بالأحرى القول إننا في حاجة إلى “نهضة” ثقافية أو “صحوة” فكرية تنطلق من منابع ثقافتنا- لا ثقافتهم- وأصول هويتنا- لا هويتهم.

لمن شاء أن يقرأ موقفي من الحداثة بالتفصيل، أدعوه لقراءة مقالي: “التطور المنشود لعالمنا الإسلامي: ليس تغريبا ولا تحديثا” ضمن كتاب جماعي “نحن والتغريب” الصادر عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية. بيروت 2021 ص 281-296.

•  يا من ترون أن الغرب يحيا الآن مرحلة “ما بعد الحداثة” وأننا كي نتقدم يجب أن نأخذ مأخذهم، أقول: هل تعرفون أنكم بذلك تناقضون أنفسكم؟ هل تعرفون أن المقولة الأساسية التي تحكم ما بعد الحداثة هي رفض كل المرجعيات وأي مرجعية؟ يرفضون مرجعية “الله”، “العلم”، “العقل”. إذا كنتم تتحسرون على عدم وصولنا للحداثة وأهم مقوماتها هو “العلم” و “العقل”، فكيف تريدون تبني “ما بعد الحداثة” التي ترفض هذه المرجعيات؟

•  هويتنا- كمصريين- هوية رباعية العناصر: أتصف بأني “إنسان”، “عربي”، “مسلم أو مسيحي”، “مصري”. لا يمكن اختزال أو تهميش أي عنصر من هذه العناصر الأربعة أو رده لعنصر آخر. فأنا إنسان أغضب لكل ما يغضب أي إنسان وأثور من أجله أيا كانت جنسيته وديانته وعرقه، وأنا عربي أختلف مع أبناء جنسي البشري من غير العرب من حيث أن لي هموما واهتمامات، ماض وطموحات مشتركة، عانى أجدادي وآبائي من استعمار مشترك قديما وحديثا وظروف اقتصادية واجتماعية وظلم وقهر سياسي داخلي وخارجي اشترك فيها مع سائر بني العرب، ربطنا الموقع الجغرافي الممتد من دولة المغرب غربا إلى مصر والخليج العربي شرقا ومن الشام شمالا إلى السودان وموريتانيا جنوبا، ثم التاريخ واللغة العربية والدين بروابط وقواسم مشتركة ثقافية واجتماعية وسياسية جعلت اشتراكنا في صفة العروبة ومن ثم اكتسابنا لعادات وتقاليد مشتركة خاصية من خصائص الهوية من الصعب إنكارها.

إلا أن هذا القاسم المشترك الذي أشترك فيه مع أبناء العروبة يجب ألا يلغي خصوصيتي المصرية كما لا يجب أن يلغي أيضا الخصوصية القومية لكل فرد عربي. وأخيرا كان الدين ولا يزال جزءا لا يتجزء من هويتنا المصرية منذ القدم. فهو عنصر أساسي في هويتي المصرية. لمن أراد قراءة الرأي تفصيلا، فليرجع إلى البحث المنشور بمجلة الفكر المعاصر 2021
“الهوية أساس الوعي الفكري”. مجلة الفكر المعاصر. الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد الحادي والعشرين، يناير- مارس 2021، ص45-52

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى