سمية عبدالمنعم تكتب .. بين مطرقة القصف وسندان الأخوة
نحن حينما ننزح نفرّ من الموت إلى الموت، نفرّ تحت القصف وتحت النار، شعور أنك مهدد بالموت وأنك تحاول البحث عن أي بصيص أمل للحياة شعور قاسٍ جدا.
ذلك كان وصف أحد النازحين “قسرا”، المُهجرين من غزة نحو رفح، لشعوره بالتهجير الجبري، والذي إذا حانت منه التفاتة عله يلقي نظرة وداع أخيرة نحو بيته وبلدته، وجده وقد استحال ركاما، دفنت تحته ذكرياته وماضيه..
وهذا ما تهدف إليه إسرائيل، ألا تبقي ولا تذر، فلا غزة، ولا بيوتها، ولا سكانها، ولا حتى ماضي يمكن الحنين إليه يوما.. إنها إبادة تاريخ وليست إبادة شعب فحسب..
فمنذ بضعة أيام، وتحت مطاردة خطوط النار وصل عشرات الآلاف من الفلسطينيين رفح بالقرب من الحدود المصرية، ونصبوا الخيام في الشوارع بعد القصف، لتصبح الخطوة التالية الدخول إلى سيناء هربا من الضغط العسكري، وهكذا تنجح إسرائيل في مخططها الذي تحلم به منذ إجلائها عن آخر شبر من سيناء.
وبحسب بيان للمنظمات الحقوقية، فإن أجزاء من “الخريطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي (المناطق الآمنة) تضمنت في جنوبها جزءا من الأراضي المصرية حددها بلون معين وأسماها المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غز.
وفي ورقة بحثية، صدرت في 17 أكتوبر، حث معهد الأبحاث الإسرائيلي “مسغاف” للأمن القومي والدراسات الاستراتيجية، الحكومة الإسرائيلية على اقتناص “الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله”، وإعادة توطين الفلسطينيين في مصر.
وظهرت قبلا وثيقة مسربة من وزارة المخابرات الإسرائيلية توضح خطة لإعادة توطين الفلسطينيين قسرا في سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم.
وأوصت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، غيلا غملائيل، في الوثيقة بضرورة تهجير سكان غزة إلى سيناء عقب انتهاء الحرب، تضمنت الوثيقة ثلاث مراحل، إنشاء مدن من خيام في سيناء جنوب غرب القطاع، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وبناء مدن في منطقة شمال سيناء. يدعم كل ذلك الجهود الأمريكية التي تعمل على حشد الدعم المالي والسياسي لتنفيذ المخطط الإسرائيلي، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 11 أكتوبر، إن بلاده تعمل مع إسرائيل لإنشاء “ممر إنساني” في سيناء للمدنيين الفلسطينيين الفارين من غزة.
هكذا تدفع إسرائيل شعب غزة نحو رفح، تحت زعم تأمينهم، من القصف! القصف الذي يطولهم أثناء رحيلهم، ويطول بيوتهم الخاوية، وأي مستشفى يحتمل لجؤوهم واحتماؤهم به، لتصبح رفح ملجأ وحيدا، رغم وجود صحراء النقب وهي اختيار أكثر منطقية، لكنه لن يحقق المخطط الصهيوني بحال.
ترى هل نجد أنفسنا بين شقي الرحى اذا ما طال القصف المهجرين في رفح، فإما السماح بدخولهم إلى سيناء، وبالتالي بدء تنفيذ مخطط إسرائيل في الاستيلاء على سيناء، وإعادة سيناريو ما بعد ٦٧، أو تركهم يواجهون خطر الموت وهم على حدودنا، ونصم الآذان عن صرخاتهم وعجزهم؟
معادلة كارثية، لن نقبل بأحد أطرافها؛ لذا أتمنى أن يكون لدينا من الحلول ما يمنع النزوح نحو مصر، وفي الوقت ذاته حماية الفلسطينيين واستمرار إمدادهم بالمساعدات، وليكن الله في عوننا، نحن القابعين بين المطرقة والسندان.