د. محمد المنشاوي يكتب لـ « 30 يوم»: مصر و« تكالب »دولة الكيان على القرن الأفريقى..!!
المتابع ليقظة وسياسات مصر إزاء ما يجرى فى الإقليم، يرى أنها تجرى فى إطار “هندسة مصريةلإدارة الصراعات”فى الإقليم فى ظل أطماع ومنازعات لاتنتهى تشعلها دولة الكيان المارقة التى لا ترتدع ولا تتوقف ، والتاريخ يحكى ..!! ..
فما تسعى إليه الدولة الصهيونيةدائماً ما يكون هدم للدول الوطنية، إما بإحتلالها أو أجزاء منها أو الإعتراف بالكيانات الإنفصاليةالمناوئة بداخلها ، ليأتى فى إطار هذه الثقافة الدموية ، إعتراف تل أبيب، بإقليم صومالى لاند الإنفصالى داخل الصومال وسط إنزعاج إقليمى واسع النطاق ..
فلم تكد شعوب العالمتتنفس الصعداء بتوقيع إتفاق سلام شرم الشيخ لوقف المذابح الإسرائيلية التى راح ضحيتها أكثر من 70 ألف فلسطينى فى غزة منذ 2024، وسط حالة من الإستياء الرسمى والشعبى على مستوى العالم ، ليخرج علينا نتانياهو بضرب سيادة ووحدة الصومال ، بإعترافه بإقليم “صومالى لاند”، لتصبح إسرائيل أول دولة عضو بالأمم المتحدة تكسر إجماع إستمر لأكثر من 30 عاماً على أن هذا الإقليم جزءُ لا يتجزأ من الصومال ، وبعد 34 عاماً من إنفصالهدون إعتراف دولى به..
وتكمن خطورة هذا الإعتراف غير المشروع فى كونِه ليس مجرد مناورة سياسية عابرة من دولة مارقة ، بل جزءُ من خطة تشارك فيها إسرائيل وأثيوبيا ودولة عربية أخرى للسيطرة على بوابات البحر الأحمر من الجنوب ، لتهدد شريان قناة السويس وبما يشكل تهديداً للأمن القومى المصرى من ناحيتى البحر والنيل معاً وفى آنٍ واحدٍ ..
وإقليم “صومالى لاند” الإنفصالى الذى يقع على خليج عدن مباشرة قبالة سواحل اليمن وعلى مقربة ساعات من باب المندب، وأهم وأخطر نقطة فى البحر الأحمر وبوابة دخول 12 فى المائة من ملاحة تجارة العالم ، كان قد أعلن إنفصاله عن الصومال فى 1991 بعد الحرب الأهلية، ومنذ ذلك الحين وهو يعيش كشبة دويلة لها برلمان منفصل وأجهزة أمن وعُملة وجيش ، يبلغتعداده ما بين 4 إلى 5 مليون نسمة يعيشون على مساحة 176 كيلومترا ًمربعاً وعاصمته هرجيسا ..
وظلت نظرة وتعامل العالم لهذا الإقليم الإنفصالى منذ 34 عاماً كأمر واقع محلى ، لكنه من الناحية القانونية هو جزء من دولة الصومال ، دون إعتراف الأمم المتحدة ولا الإتحاد الأفريقى ولا الدول الكبرى حتى الآن..
ولكن لماذا تتكالب إسرائيل على صومالى لاند؟؟.. السبب لكونه قاعدة مثالية عند بوابة باب المندب وميناء “بربرة” لهذا الإقليمالمطل على خليج عدن مباشرة والقريب من باب المندب من جهة الشرق بما يجعله عنق زجاجة للعالم يمر به جزء ضخم من تجارة العالم وعلى رأسها نفط وغاز الخليج المتجه إلى أوروبا ومن آسيا ..
فبعد حرب غزة 2023 وإستهداف الحوثى للسفن الإسرائيلية والأمريكية فى البحر الأحمر والتهديد بقطع الملاحة البحرية فى حالة إتساع الصراع مع إسرائيل وأمريكا ، شعرت إسرئيل بالقلق من أن يكون مصير سفنها وميناء إيلات وممراتها البحرية رهينة لميليشيات الحوثى التابعة الى عدوتها إيران ..
لهذا كان إعتراف إسرائيل بهذا الكيان الإنفصالى ليكون بداية لتواجد صهيونى فى شكل قواعد ورادارت وأجهزة تنصت مخابراتية وغير ذلك ، ليتطور لاحقاً إلى قواعد عسكرية ومطارات ووحدات بحرية فى هذه المنطقة ، وليتحول الأمر إلى نقطة نفوذ إسرائلية أمام سواحل اليمن حيث الحوثى المناوىء لها وتحقيق مآرب أخرى ..
ويأتى السؤال الأهم لماذا إنتفضت مصر؟؟ بل ولماذا التهديد المباشر لأمنها القومى؟؟، فمصر ترى دائماً أن البحر الأحمر يمثل الإمتداد المباشر لنفوذها ولأمن قناة السويس وأمنها القومى ، وأن مجرد تواجد إسرائيل المارقة المناوئة على هذه الضفة الغربية من أفريقيا ، وعند مدخل البحر الأحمر فى الجنوب يقابله تواجدها فى الشمال من ناحية مينائها إيلات وعبر البحر المتوسط ، ومعها حلفاء إقليميين متطواطئين ، لهم قواعد فى الجزر اليمنية وسواحل القرن الأفريقى ، كل ذلك يُفقِد خط الملاحة لقناة السويس صفته من كونه ممراً ملاحياً دولياً محمى بالقانون الدولى، ويتحول إلى ممر محاصر بشبكة نفوذ معادية لمصر غير مأمولة العواقب..
وما يُعقِد من هذا الوضع وتشابكاته هو عدم التناغم وعدم الود غير المعلن من جانب بعض أنظمة الدول الجارة فيما بينها كإيران والإمارات والسعودية وتباين تحالفات هذه الدولوتعدد قواعدها فى اليمن ، فهاك محور يعارض تقسيم اليمن وآخر يرغب فى تقسيمه.. يعمل الأول ضد الحوثى لإضعافه ، ويسانده الآخر ويعملعلى تقويته ..
بما يلحق هذا الأمر الضرر بالسعودية ومصر واليمن والصومال بشكل مباشر مع هذه الخطوة الإسرائيلية فى ظل إضطلاع دولة عربية مجاورة بتنفيذ أجندة إسرائيل فى محاصرة البحر الأحمر من الجنوب ، لياتى محور ثالث متمثلاً فى اثيوبيا الحبيسة منذ إنفصال إرتيريا عنها فى عام 1993، حيث لاتزال أديس أبابا تحلم منذ ذلك الحين بمنفذ على البحر ، وإرتباط ذلك كله بقضية سد “الخراب الأثيوبى” مع مصر ، حتى إذا خرجت أثيوبيا بمنفذ على البحر ، فسيشكل ذلك مع تحالفها مع إسرائيل تهديداً إضافياً للملاحة فى قناة السويس لتصبح الخطورة على مصر أكبر من أى وقت مضى..
ولهذا جاءت إنتفاضة مصر تجاه خطوة دولة الكيان فيما عبر عنه وزير الخارجية المصرى فى بيان شاركت فيه نحو 22 دولة عربية وآسيوية ترفض وتدين هذا العدوان الإسرائيلى الجديد وتكالب تل أبيب على منطقة القرن الأفريقة..
فى خِضم ذلك كله ، تأتى “الهندسة المصرية لإدارة الصراعات”حاملة رسالةمفادها:ما لم يكُن إتيانك إلى المنطقة بهدف المساعدة فى إحلال السلام والإستقرار، حتى مع حِرصكعلى مصالحك، فعليك أن تغادرها إلى غير رجعة..
“ كاتب المقال د. محمد المنشاوي سياسي وأديب ، نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط للشؤون الدولية والتعاون الدولي ، وكبير محرري شئون رئاسة الجمهورية سابقًا ، والحائز على جائزة “ملهم الدولية – وشخصية العام لسنة ٢٠٢٤ ” فى مجال الإعلام الهادف والتثقيف السياسي ” من منتدى رواد الأعمال العرب ”.
اقرأ أيضا
د.محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم»: « زين العابدين يرُد بالحُجّة على قاتل أبيه» !!




