سمية عبد المنعم تكتب: إليكِ يا ابنة سيناء جئنا
أرفع عينى عن هاتفى، متوقفة عن الاسترسال فى كتابة المقال، وصوت أحدهم يتسلل إلى أذنى، مغمورا بسعادة وحماسة لم أخطئها، هاتفا: «إحنا دخلنا سينا»، جلت بناظرى يمينا ويسارا بين صحراء غمرتها مساحات خضراء كثيفة، وبيوت تتناثر كشواهد على تاريخ مجيد، وانتابنى شعور من الفخر بينما رعدة خفية تصيبنى، وكأننى أنظر إلى طفلى الذى عاد لحضنى بعد فراق…
أجفلت والحافلة تشق طريقها فى سيناء، قاصدة مدينة العريش، وسؤال صريح يتردد فى صدري: ترى، لِم اختيرت مدينة العريش لتستضيف مؤتمر أدباء مصر هذا العام؟
ابتسمت والإجابة تسطر حروفها فى قلبى..
لأدرك أنه ليس بمستغرب أن يقع اختيار مدينة العريش لتحتضن فعاليات مؤتمر أدباء مصر فى دورته السابعة والثلاثين، والذى انطلق أمس ويستمر حتى التاسع والعشرين من هذا الشهر، فتلك البقعة المزهرة على أرض سيناء الحبيبة، قد مثلت فى فترة منقضية من الزمان حائط صد، ومدافعا صلدا ضد أعداء مصر، خارجيا وداخليا، ليأتى الاختيار محملا برسائل ثقافية ووطنية ذات أبعاد لا تخفى على عاقل.
وقد لا يكون مؤتمر أدباء مصر هو الفعالية الأولى فى هذا العام التى تقام فى العريش، فقد سبقه مؤتمر الصناعات الإبداعية والثقافية، فى نوفمبر الماضى، إلا أن ما يمثله مؤتمر الأدباء من خصوصية تصفه بعيد الأدباء السنوى، أرخت على الاختيار بهاء وضمنت بسمات انتشاره وشهرته توقفا حثيثا وتفكرا فى حكمة الاختيار.
ولم لا، والعريش التى تقبع فى أقصى الشمال الشرقى لشبه جزيرة سيناء، قد لعبت عبر التاريخ دور «بوابة مصر الشرقية» التى ربطت وادى النيل ببلاد الشام، ما جعلها نقطة مرور أساسية للجيوش والتجارة على مر العصور، فيما كان يُعرف بـ«طريق حورس»، التجارى والعسكرى الذى ربط مصر بالشرق.
بينما وقفت «قلعة العريش»، فى وجه كل مغتصب، دفعه طمع دنيوى لدخول مصر عبر بوابتها الأعتى.
فيما صارت «معاهدة العريش»، التى وقعت بين قادة الحملة الفرنسية والحكم العثمانى الذى كان يحكم مصر آنذاك، مثالا لأول محاولة سياسية جادة لإنهاء الاحتلال الفرنسى لمصر، وشاهدا على ذلك الدور المحورى الذى لعبته العريش بوصفها بوابة ذات أهمية جغرافية ومكانية مهمة.
ومع تلك التحولات الفاصلة فى تاريخ مصر السياسى، أصبحت العريش نقطة تدور بها رحى الحروب، منذ نكسة ٦٧، ووقوعها بين يدى عدو غاشم، حتى لحظات النصر الغالية فى ٧٣، وتوقيع معاهدة كامب ديڤيد، لتستعيد مصر عصا السيادة على تلك البقعة المهمة من مصر، فتصبح العريش أول مدينة كبرى فى شمال سيناء تعود إلى الدولة المصرية.
ولأن عين كل عدو خارجيا كان أو داخليا تختار الرقعة الأهم والأغلى من الوطن، فكانت العريش ضحية عمليات إرهابية توغلت بها، مستغلة ذلك الفراغ الأمنى الذى خلفته أحداث ثورة يناير، فى فترة مظلمة من تاريخ مصر، ذاقت فيها ويلات الخيانة المسلحة.
لكن، ومع استعادة مصر من براثن جماعة خدعها غباؤها، عادت سيناء وعروس شمالها العريش لتتصدر المشهد السياسى والثقافى من خريطة مصر، ولتحتضن قوة مصر الناعمة المحبة، فى مشهد لا يقتصر على فاعلية هنا وندوة هناك، بل أراه مشبعا برسائل ضمنية جادة، على استعادة حقة، وعودة أرض غالية من اغتراب وتفريغ طال، تلى حروبا معروفة ظروفها، لندرك أن يد التغيير والتطوير ليست محض شعارات، بل هى واقع ملموس يسر الأعين…
فإليك يا سيناء، وإلى عروسك العريش، نأتى…
اقرأ أيضا
سمية عبد المنعم تكتب : سوريا .. وحنين نزار قباني




