توبكُتّاب وآراء

الإعلامي حمدي رزق يكتب: فوت علينا بكرة يا سيد!!

العنوان أعلاه واحدة من أشهر عناوين الإذاعة المصرية، كان يُطلقها طيب الذكر الإذاعي الكبير “رأفت فهيم” أثناء تقديمه لدور “عبد الروتين” صاحب العوينات الزجاجية في برنامج «همسة عتاب» بإذاعة القاهرة.

نفسه “عبد الروتين” ورد في ثبت الشخصيات الكاريكاتورية التي أغبطنا بها زمنا طيب الذكر الفنان “مصطفى حسين” ، وقد أحسن توصيفا بمقولاته اللوذعيّة التي كانت من بنات أفكار طيب الذكر الساخر الكبير “أحمد رجب”..

تذكرت “عبد الروتين” وأنا أطالع تقريرا معتبرا لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة بمجلس الوزراء عن شهر أكتوبر الماضي..

ابتداء، هذا تقرير يستحق التحية، والشكر موصول لكل من سخره الله لحل مشاكل المواطنين، ولهم أجر العاملين عليها .

التقرير يبرهن على أن “عبد الروتين” لا يزال حيا يرزق، ولا يزال رابضا في مفاصل الجهاز البيروقراطي، عبدة الروتين من سلالة لا تفنى ولا تستحدث من عدم، لا تخلو وزارة أو محافظة أو هيئة أو مؤسسة من متحورات هذا الكائن الروتيني البيروقراطي العتيد .

ابتداء، زيادة عدد الشكاوي مثل زيادة عدد الفتاوى، ليس علامة صحة مجتمعية، ولا تعد الأرقام المليونية للشكاوى التي بلغت المنظومة محل تباهي.

ما توفره المنظومة من حلول واستجابات تؤجر عليها، دليل كفاءة، وسرعة تلبية، لكنها علاجات موضوعية لعرض ينبئ عن مرض عضال يستوجب علاجه من الجذور، كما تعالج جذور الأسنان حتى لا يصيبنا الصداع الدائم أقصد الشكوى.

منظومة الشكاوى تلقت ورصدت 193 ألف شكوى واستغاثة وطلب واستفسار على مدار شهر أكتوبر الماضي .

رقم لو تعلمون مقلق، والمتوسط يقول بما يزيد عن مليوني وثلاثمائة ألف شكوى سنويا، بمعدل ستة آلاف شكوى يوميا تصل إلى المنظومة من مختلف أرجاء الجمهورية.

كفاءة المنظومة في استيعابها لملايين الشكاوى، والتوفر على حلها ما أمكن، وبكفاءة تدل عليها سرعة الاستجابة الناجزة، وعن تجربة شخصية منظومة ذكية يعمل عليها أكفاء مخلصين.

ورغم ظروف كل شكوى وملابستها، تم توجيه 144 ألف شكوى خلال شهر أكتوبر إلى جهات الاختصاص لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها وإزالة أسبابها والرد عليها، بينما تم حفظ 44 ألف شكوى، وجاري استكمال مراجعة واستيفاء بيانات 5 آلاف شكوى وطلب تمهيدًا لاتخاذ ما يلزم بشأنها.

جهد جهيد يستحق الدعم، والمؤازرة، والشكر الموصول لقيادات المنظومة وشبابها العاملين على تذليل شكاوى المواطنين، ولقاء السيد رئيس الوزراء الدكتور “مصطفى مدبولي” الشهري مع  الدكتور “طارق الرفاعي”، مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء للشكاوى ورضا المواطنين.. عامل تحفيزي لافت.

التقرير المفصل يحتاج إلى قراءة أمينة، الوزارات اختصت بنسبة 62% من إجمالي الشكاوى الموجهة للجهات المختصة خلال شهر أكتوبر.

المحافظات اختصت بنسبة 25% من إجمالي الشكاوى ، فيما اختصت الهيئات والجامعات المرتبطة إلكترونيًا بالمنظومة بنسبة 13% من إجمالي الشكاوى والطلبات الموجهة للجهات المعنية.

القراءة تقول هناك مشكلة تواصل عميقة بين الوزارات والمحافظات والهيئات في موطنها مع المواطنين في محالهم .

المواطنون لا يجدون حلولهم في الوزارات والمحافظات والهيئات مباشرة، هناك مشكلة في استقبال شكاوى المواطنين، بل ومشكلة أكبر في الاستجابات على وقتها، تقريبا الأبواب موصدة في وجوه المواطنين، فيلجأون إلى منظومة الشكاوى التي لا ترد لهم طلبا .

ودنك منين يا جحا، لا بد من المرور برأس الرجاء الصالح بدلا من المرور مباشرة من قناة السويس، والمثل للتقريب . استجابات الوزارات للشكاوى الواردة من منظومة الشكاوى بلغت 89 % والمحافظات 73 % ما يثير العجب، طالما الحلول متوفرة، والردود جاهزة، والتلبية حاضرة، لماذا لا تتوفر مباشرة للمواطن دون المرور بمنظومة الشكاوى، ولماذا تغلق الأبواب في وجوه المواطنين محليا فيلجأون إلى باب المنظومة مركزيا .

ما فائدة صناديق الشكاوى الحمراء في مداخل الوزارات والمحافظات والهيئات والمؤسسات، ما فائدة الخطوط الساخنة، وما هو المتحقق من جملة الحسابات الإلكترونية المتاحة، إذا كانت الأبواب جميعا موصدة ، وكأنهم صم بكم لا يسمعون، إذن لا تثريب على المواطن لجوئه إلى المنظومة الفوقية لتدبر له حلولا كان أولى تدبيرها في محله المختار.

إذا كانت الوزرات والمحافظات والهيئات والمؤسسات حريصة كل الحرص على تلبية الشكاوي الواردة من المنظومة، والتفاعل معها هكذا عاجلا وناجزا، لماذا تبخل بهذه الاستجابات على المواطنين مباشرة .. ما يثير العجب العجاب ؟!

تفريدة التقرير المهم، تقول الشكاوى من وإلى جميع الوزرات والمحافظات والهيئات والمؤسسات بنسب مقدرة، الشكاوى تتنوع، ومصدرها واحد الجهاز البيروقراطي العريق في تعطيل المصالح، والتقتير في الخدمات، والتعقيد الروتيني، وتستيف الأوراق ، هناك آلاف من صنف ” عبد الروتين ” موزعين علي مفاصل الجهاز الحكومي وظيفتهم “توقيف المراكب السايرة”.

الجهاز البيروقراطي الذي يصدر عنه مليوني و300 ألف شكوى سنويا، جهاز يحتاج إلى ثورة على بيروقراطيته المعوقة، وأفكاره البالية، وشخوصه التي تنتمي لعصر ما قبل عبد الروتين.

مفاصل الجهاز البيروقراطي الوطني تيبست، وهناك خلايا نائمة في هذه المفاصل تخصصت في تعطيل مصالح الناس، خلايا متكاسلة إذا حسنت النوايا أو متعمدة إذا ساء الظن، جميعا من صنف “عبد الروتين” الذي لم تمر به الثورة الإلكترونية، ولم ينتمي طوال عمره لفكرة “حلال المشاكل” ويعتقد أن التعقيد مفيد، بالأحرى منجي من المهالك، والمنع أسلم من الإتاحة، وفي الإتاحة مناحة، وأسألوا عبدة الروتين !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى