د.محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم»: « زين العابدين يرُد بالحُجّة على قاتل أبيه» !!
توقفت طويلاً عند رد الفتى على زين العابدين بن الحسين رضى الله عنهما ، وهو فى الأسر مع سبايا أهل البيت ، على قاتل أبيه يزيد بن معاوية بن أبى سفيان خليفة المسلمين على نحو أبكى حشود المئات من الناس فى الشام بالحُجة الناصعة والبرهان المبين ..
ليؤكد فتى بنى هاشم فى خطبته الجامعة الشاملة رغم حزنه وشعوره بالأسى والمرارة على إستشهاد أبيه وإخوته جميعاً فى معركة كربلاء ، أن أهل البيت الذين تربوا فى كنف النبوة المحمدية على الحق والعدل أهل علم وحلم وفصاحة وسماحة وشجاعة ، تعظمهم الأخلاق وتمحصهم الإبتلاءات …
فعندما وصلت مسيرة سبايا أهل البيت من الناجين من مذبحة كربلاء تتقدمهم عمته السيدة زينب عقيلة بنى هاشم وبرفقتها النساء والأطفال يحملون الرأس الشريف للإمام الحسين إلى مقر الخليفة يزيد بن معاوية فى دمشق ، جمع يزيد الحشود الكبيرة ليتشفى فيهم أمام الناس وينفِث عن مكنون حقده الدفين لأهل البيت، مع ما فعل بهم من تقتيل وتمثيل وإراقة لدمائهم ..
فما أن إستقروا أمامه ، قال يزيد مخاطباً الفتى على : مَنْ أنت؟ ، قال: أنا على ابن الحسين .. فقال يزيد : ألم يُقتل .. قال الفتى زين العابدين:أنا على الأصغر .. رد يزيد : لقد قتله الله .. قال على : بل الله يتوفى الأنفس حين موتها .. فغضب يزيد قائلًا: وترد علىَ هكذا؟ .. وقال مخاطباً حراسه وزبانيته: أقتلوه .. فإنتفضت عمته زينب قائلة ليزيد : إنى دونه يا “إبن آكلة الأكباد” (نسبة إلى جدته هند بنت عتبة التى لم تستطع أن تلوك كبد حمزة بن عبد المطلب إنتقاماً وثأراً على قتله لأبيها وأخيها فلفظته) .. وأضافت زينب : إن أردتم قتله فلتقتلونى أولاً .. فنصحته حاشيته ألا يفعل منبهين له:إنها زينب عقيلة بنى هاشم فهى ليست كغيرها فتراجع يزيد مخزولاً وتركهما ..
فقال الفتى علي مخاطباً يزيد:يا يزيد إئذن لى أن أصعد فوق هذه الأعواد (أى المنبر) فأتكلم بكلمات ، لله فيهن رضَى ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب ، فأبى يزيد ذلك .. فقال الناس: إئذن له فليصعد المنبرلعلنا نسمع منه شيئاً ..!!
فقال يزيد:إن صعد هذا الفتى لم ينزل إلا بفضيحتى وفضيحة آل أبى سفيان .. قائلاً : إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً ..
خطبة كلها بكاء
قال الراوى : فما يزالون به حتى أذن له ، فصعد الفتى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم خطب خُطبة أبكى منها العيون وأوجل منها القلوب .. ثم قال : أيها الناس أعطينا سِت وفضلنا بسبع،أعطينا العلم والحلم والفصحاة والسماحة والشجاعة والمحبة فى قلوب المؤمنين ، وفُضلنا بأن منا النبى المختار محمداً ، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسوله ، ومنا سبطا هذه الأمة ، ومنا مُهديها (المهدى) ، فمن عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى أنبأته بحسبى ونسبى ..
أيها الناس أنا بن مكة ومِنى أنا إبن زمزم والصفا أنا إبن مَنْ حمل الركن بأطراف الردا أنا إبن خير من إئتزر وإرتدى أنا إبن خير من إنتعل وإحتفى أنا إبن خير من طاف وسعى أنا إبن خير مَنْ حج ولبى أنا إبن مَنْ حُمل على البراق فى الهواء أنا إبن مَنْ بلغ به جبريل إلى سدرة المنتهى أنا إبن مَنْ دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى أنا إبن مَنْ صلى بملائكة السماء أنا إبن مَنْ أوحى إليه الجليل ما أوحى أنا إبن محمد المصطفى ..
أنا إبن على المرتضى أنا إبن مًنْ ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله أنا إبن مَنْ ضرب بين يدي رسول الله بسفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وتابع البيعتين وقاتل بدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين أنا إبن صالح المؤمنين ووارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكائين وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين ..
أنا المؤيد بجبريل المنصور بميكائيل أنا إبن المحامى عن حرم المسلمين وقاتل الناكثين والقاسطين والمجاهد أعدائه من الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين وأول السابقين وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامى الله على المنافقين ولسان حكمة العابدين وناصر دين الله وولى أمر الله وبستان حكمة الله ..
ثم قال: أنا إبن فاطمة الزهراء أنا إبن سيدة النساء أن إبن خديجة الكبرى ، أنا إبن المقتول ظُلماً أنا إبن محزوز الرأس من القفا أنا إبن العطشان حتى قضى أنا إبن طريح كربلاء أنا إبن مسلوب العمامة والرداء أنا إبن مَنْ بكت عليه ملائكة السماء أنا إبن مَنْ ناحت عليه الجن فى الأرض والطير فى الهواء أنا إبن مَنْ رأسه على السنان يُهدَى أنا إبن مَنْ حرمه من العراق تُسبى .. فلم يزل يقول:أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشى يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذن يؤذن مع أنه لم يكن وقت صلاة ليقطع عليه الكلام..
قال الفتى على: لا شىء أكبر من الله ، كبرت كبيراً لا يقاس ، فلما قال المؤذن:أشهد أن لا إله إلا الله ، قال على:شهد بها شعرى وبشرى وعظمى ولحمى ودمى .. فلما قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله ، إلتفت على من المنبر إلى يزيد وقال له:محمداً هذا جدى أمْ جِدك يا يزيد ، فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت وإن قلت أنه جدى فلِما قتلت عترته” ( ذريته وأحبته والمقربون)
“أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، أنا ابن من انتهكت حرمته، فبأي عين تنظرون إلى رسول الله، وقد قتلتم عترتي ( أي ذريته وأحبته المقربون)، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي؟”
“ كاتب المقال د. محمد المنشاوي سياسي وأديب ، نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط للشؤون الدولية والتعاون الدولي ، وكبير محرري شئون رئاسة الجمهورية سابقًا ، والحائز على جائزة “ملهم الدولية – وشخصية العام لسنة ٢٠٢٤ ” فى مجال الإعلام الهادف والتثقيف السياسي ” من منتدى رواد الأعمال العرب ”.
اقرأ أيضا
د.محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم»: عندما يكُون القائد مُربياً عظيماً..!!




