توبكُتّاب وآراء

أحمد النبوي يكتب لـ «30 يوم»: الصحافة ليست رجسًا من عمل الشيطان

قبل أن تحكم على المقال من عنوانه، عليك أن تقرأه أولًا ثم احكم.. عندما خلق الله الحياة، خلق السماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والإيمان والكفر، والجنة والنار، والحب والكراهية، والعسر واليسر، وهكذا.. فهل عندك عزيزي القارئ أي ذرة شك في هذا الكلام؟ بالطبع لا يوجد أدنى شك في خلق الله.

فالله سبحانه وتعالى خلق التنوع لهدف، فلا يمكننا أن نتصور أن يكون اليوم كله شمسًا فقط أو قمرًا فقط، أو أن يكون كل البشر مؤمنين فقط أو كفارًا فقط، فنحن لا نعرف قيمة الشيء إلا بوجود نقيضه.

في كل بلدان العالم توجد حكومات ومؤيدون لها، كما توجد معارضة لها، حتى في الدول الأكثر ديكتاتورية في العالم ستجد بها نسبة معارضة كبيرة، وبالطبع في الدول الديمقراطية ستجد المعارضة التي تسعى للوصول إلى الحكم.

والوسيلة للجميع لإيصال أصواتهم وآرائهم إلى الشعوب هي الصحافة ووسائل الإعلام، ويتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كعامل مساعد فقط في بعض بلدان العالم، وليست إعلامًا بديلًا، وذلك طبقًا لمساحة الحرية الممنوحة للصحافة والإعلام.

وعرف المصريون الصحافة مع الحملة الفرنسية عام 1798، لكنها كانت منشورات لصالح المستعمر، مع الوضع في الاعتبار أن نسبة الجهل كانت كبيرة، ولم تكن ذات تأثير على الشعب.

وحتى بعد ذلك، في عهد محمد علي، ومع إصدار أول جريدة مصرية «الوقائع المصرية» عام 1828، كانت مجرد أداة للدولة في نشر الأخبار والمعلومات.

وظهرت محاولات صحفية مع الثورة العرابية، لكن البداية الحقيقية لدور الصحافة المصرية وتأثيرها على الشعب كانت مع ثورة 1919، حيث استطاعت الصحافة أن تلعب دورًا لا يستهان به في إيقاظ الفكر والعقل بين أبناء الشعب، بالإضافة إلى نشر الثقافة والمعلومات الصحيحة، رغم وجود نسبة كبيرة من الجهل آنذاك.

وكان هناك متعلمون يقرؤون الجرائد لأهالي المناطق، كما ظهر في الأفلام والمسلسلات التي تناولت تلك الفترة ولم تكن الجرائد في ذلك الوقت تصدر بعدد الصفحات الذي تعودنا عليه اليوم، وكانت الصحف تظهر وتختفي، إلى أن ظهرت الصحافة المنتظمة التي هاجمت الاحتلال والملك وطالبت بالاستقلال.

وفي تلك الفترة ظهرت بعض الصحف المدعومة سواء من الملك أو الإنجليز، بعد أن زاد دور الصحف في المجتمع، كمحاولة للرد على صحافة الاستقلال. وشهدت مصر إصدار العديد من الصحف المتنوعة، الخاصة والحزبية، وتمتعت بحرية عالية غير مسبوقة، كما ظهر فن الكاريكاتير السياسي الساخر كتطور جديد في الصحافة المصرية.

ولعب ظهور الراديو دورًا مهمًا في زيادة وعي الشعب، رغم أن محاولات الإذاعة كانت كلها خاصة في بدايتها، مثلها مثل نشأة الصحف، إلى أن جاءت ثورة 23 يوليو عام 1952، وكانت أغلب الصحف في ذلك الوقت تؤيد الثورة والاستقلال، وهو الحلم الذي طالما نادوا به.

لكن هذا الدعم لم يستمر طويلًا، بعد محاولات السيطرة على الصحف، وتزايد المشكلات سواء من الرقيب أو الأزمات المالية التي عانى منها ملاك الصحف، نتيجة التحول الاشتراكي الذي كان يمر به المجتمع المصري، إلى أن صدر قانون تنظيم الصحافة في 24 مايو 1960، والذي عرف بتأميم الصحافة.

ولذلك لم يكن غريبًا أن يكتب الكاتب الصحفي إحسان عبد القدوس مقالًا في روز اليوسف قبل صدور القانون قال فيه
«لماذا لا تؤمم الصحافة؟ وقد أممنا كل شيء تقريبًا، ولجأت إلى هذا بعد أن أرهقتني الرقابة أيضًا».

وبعد هذا القانون عانت الصحافة لسنوات طويلة، وتراجعت مساحة الحرية لأنها أصبحت مملوكة للدولة ومع فترة الرئيس السادات شهدت الصحافة انتعاشة محدودة في مساحة الحرية، لكنها كانت بداية للعودة مع عودة الحياة الحزبية وصدور الصحف الحزبية، التي لعبت دورًا كبيرًا في مهاجمة السادات، خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.

وأعقب ذلك رفض شعبي واسع، وكانت النهاية بأكبر حملة اعتقالات في سبتمبر 1981، حيث تم اعتقال أكثر من 1536 من رموز المعارضة السياسية من ليبراليين واشتراكيين ومثقفين وصحفيين وإسلاميين وأقباط، وحتى رجال الدين، وأغلقت الصحف المعارضة.

وبعد اغتيال السادات، أفرج عن المعتقلين عقب تولي الرئيس مبارك الحكم، وشهدت فترة مبارك عودة الصحف الحزبية والخاصة، وتميزت بوجود هامش حرية لم يكن كبيرًا، لكنه كان قائمًا بسقف محدد.

وبعد 25 يناير، شهدت البلاد حالة من الفوضى، لا يمكن وصفها بحرية صحافة حقيقية. ومع فترة حكم الجماعة الإرهابية، عادت الصحافة المصرية لدورها الوطني في كشف المخططات، حتى وصلنا إلى 30 يونيو، وما تبعها من استكمال دور الصحافة والإعلام في مواجهة الإرهاب.

واليوم، بعد 12 عامًا على الثورة، وعودة الاستقرار وبناء الجمهورية الجديدة، ألا يحن الوقت لعودة التنوع الصحفي والإعلامي؟
ألا يحن الوقت لزيادة مساحة الحرية للصحافة والإعلام المصري لاستعادة دوره الحقيقي، واستعادة الثقة المفقودة مع المواطن؟

ومعرفة تاريخ الصحافة ليست ترفًا، بل كنز، فبالتاريخ نجد إجابات لكل التساؤلات فالصحافة والإعلام هما سلاح الوطن في مواجهة الشائعات والحروب المعنوية، وحرية الصحافة ليست رفاهية، بل ضرورة مجتمعية لإيجاد التنوع الفكري والثقافي.

وهنا أقول لأصحاب المصالح الذين يرفضون حرية الصحافة والإعلام.. هل الأجهزة الرقابية تعمل ضد الوطن؟
إذا كانت الإجابة لا، فضع كلمة الصحافة والإعلام بدلًا من الأجهزة الرقابية، لأنهما يقومان بالدور نفسه، بل وأكثر.

اقرأ أيضا 

أحمد النبوي يكتب لـ «30 يوم»: محاكم التفتيش من صلاح لفيديو السقا

أحمد النبوي يكتب لـ «30 يوم»: أسطورة الملك المصري محمد صلاح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى