الإعلامي حمدي رزق يكتب : الشغف الانتخابي المفقود
الشغف شعور بالحماس الشديد، يترجم اهتمامًا متلهفًا أو إعجابًا بفكرة أو مُقترح أو دعوى، ويصل إلى حد الانجذاب الشديد والإثارة والعاطفة تجاه قضية ما أو شخص ما .
عكسه الملل، اللامبالاة، فقدان الاهتمام والحافز، يترجم انفضاضا إذا جاز القول تلطفا!
يُستخدم هذا المصطلح (الشغف) بالتحديد في سياق الرومانسية، العاطفية، ويوحي عمومًا بعاطفة أكثر عمقًا أو أكثر شمولًا من العاطفة المتضمنة في كلمة (شهوة).. وهذا من قبيل التزيد اصطلاحا.
يمكن استخدام المصطلح (الشغف) بتصرف سياسيا، وفي سياق الانتخابات النيابية الجارية، أخشى افتقدت الشغف المطلوب، عزوف لافت عن الترشيح تؤشر عليه نسب الترشيح على المقعد الواحد، وعزوف عن التصويت تتحدث عنه وتدلل عليه نسب التصويت الضعيفة في الصناديق بعد مراجعتها بالورقة والصوت الواحد من قبل قضاة الهيئة الوطنية للانتخابات (قضاة ثقات).
زمن ماضيا كان الشغف الانتخابي ملازما للانتخابات النيابية، سيما على المقاعد الفردية، وشهدنا معارك انتخابية كانت حديث الركبان في ماضٍ تولى.
افتقاد الشغف بالانتخابات الجارية ما يستوجب الوقوف على أسبابه، وتشخيصه، العزوف الانتخابي مرض أصاب الانتخابات المصرية، ولا سبيل لإنكاره، إنكار المعلوم بالضرورة من الكبائر السياسية التي لا تمر هكذا مرور الكرام.
يلزم التوقف والتبين، توقفا أمام أسباب هذا العزوف عن الترشيح، سيما وأن وجوه مجتمعية بارزة، وشخصيات سياسية نافذة، وقيادات حزبية معتبرة فضلت الركون في الركن البعيد الهادي، بعيدا عن صخب يصفونه بـ (ضجيج بلا طحين).
فضلا تفضيل شخصيات ثقيلة في الميزان الانتخابي حجز المقاعد المضمونة في القائمة الناجحة سلفا، أو على أمل في التعيين تاليا، ما أفقد السباق الانتخابي متسابقون جديون عادة ما يشحذون السباق، ويثيرون حماسة، ويحشدون الناخبين متحلقين من حولهم.
القائمة المطلقة سببا رئيسا للعزوف أو هكذا أظن، رأيي صواب يَحتمل الخطأ، جد لم يثر نظام القائمة المغلقة حماسة قوائم منافسة، ولو كانت القائمة نسبية، ونصيب مقدر من المقاعد بحساب الأصوات لربما تحمست قوائم أخرى لولوج المعترك الانتخابي ، يقينا لهم في المقاعد نصيب بحسب التصويت .
القائمة المغلقة من عيوبها الأزلية تنجح بـ خمسة في المائة فقط من الأصوات، من أين يأتي الشغف المليوني الذي يترجم إقبالا على التصويت؟!
تقسيم الدوائر أيضا بهذا الاتساع الجغرافي سببا إضافيا، من ذا الذي في مكنته الترشح و الانتشار على كامل الرقعة الجغرافية في دائرة انتخابية من النهر إلي البحر، يقال من يلج الانتخابات إما قادر ماليا، أو قادر حزبيا!!
المرشحون المستقلون عادة يمتنعون عجزا عن مجاراة القادرين، والمستقلون سيما المعارضين عادة ما يثيرون شغفا ونغشا انتخابيا حميدا يترجم في الصناديق.. فإذا امتنعوا غلقت الصناديق علي خواء !
تتعدد الأسباب، والشغف الانتخابي مفقود، وهذا ما يستوجب تبين الأسباب بعد الوقوف على مسببات الظاهرة السلبية (الانفضاض الشعبي) التي باتت عليها انتخاباتنا الوطنية.
أخشى الانتخابات تُجرى بعيدا عن الشارع الذي افتقد الشغف الانتخابي منذ سنوات مضت، الانتخابات تُجرى في واد، والشارع في واد، حدس الشارع يحدثه بالنتائج محسومة و معلومة سلفا إلا في حالة المفاجأة وهذه رهينة بظرف حال وليس في كل الأحوال.
الشارع يتفرج على الانتخابات من بعيد لبعيد، لا تجذبه دعاية انتخابية تحمل بشريات معيشية، ولا تستنفر حماسته برامج انتخابية تحمل أفكارا تثير خيالا، أو ترسم طريقا، أو تعده بالمن والسلوى، ولو علي سبيل التمني وهذا مشروع، وما نيل المقاعد بالتمنى ، ولكن تؤخذ الانتخابات غلابا ، مع كامل الاعتذار لأمير الشعراء أحمد شوقي .
الظاهرة التي تشغل بال كاتب هذه السطور، تُعرف بفقدان الشغف، افتقاد الحماس أو الإثارة حيال الانتخابات، وكانت في زمن مضى ما اعتاد الشارع أن يكون شغوفًا بها وبتفاصيلها ومرشحيها ولافتاتها، وسرادقاتها الثرية بمكبرات صوت جد مزعجة توقظ الغافلين عن أداء الواجب الانتخابي.
عندما يعاني الشارع من فقدان الشغف والحماس تجاه انتخابات على المستوى الوطني، هذا جد خطير وعواقبه وخيمة، الملل والفتور يترجم عزوفا، انفصال تام عن استحقاق نيابي رئيس ، وعادة ما يجد المصابون بفقدان الشغف صعوبة في العثور على الدّافع أو الإلهام للانخراط في هذه الانتخابات، ويكفون عن متابعتها وكانت ذات يوم جزءا لا يتجزّأ من نشاطاتهم الموسمية، كانت الناس تنتظر الانتخابات على شوق يترجم شغفا ، من الموسم للموسم كانوا يسمونه (عرس انتخابي) يباهون به.
كيف نستعيد الشغف الانتخابي، هذا سؤال تستوجبه نسب التصويت في الصناديق، وإجابته الحافز، والحلم بالأفضل، فقدان الشغف مرض عضال لابد من علاجه من جذوره.
لاتزال هناك فرصة لتجديد ماء الانتخابات الأسن الراكد بالتنقية والتكرير وتجديد الدماء.
لسان الحال، محال، لن نصبر علي طعام واحد، صحيح حدث تغيير حقيقي في الوجوه، ولكن نفس الأساليب، بنفس الأفكار المهيمنة، بنفس الطرق الاحتيالية على الإرادة الشعبية، لساها طرق عقيمة لا تلد أفكارا، ولا تجتذب أصواتا.
تجديد الدماء يلزمه تجديد الأفكار، وتحديث النظام الانتخابي، الحاجة ماسة لنظام انتخابي يثير شغف الشارع، ويستنفر قواه نحو الصناديق لاختيار من يمثله حقا وصدقا، هل القائمة النسبية حلا، هل العودة للنظام الفردي يستنفر الشارع، كلها طرائق مجربة قبلا، بالسوابق يجتهدون لإحداث الشغف المفقود!
الأهرام




