كتب – خالد سالم :
في خطوة طموحة نحو تطوير منظومة التعليم المصرية، انعقد المؤتمر الدولي الأول تحت عنوان “تعليم بلا حدود” في قاعة محمد حسنين هيكل بنقابة الصحفيين يوم السبت 6 ديسمبر 2025. جاء هذا المؤتمر في إطار توجيهات الدولة والقيادة السياسية لدعم العلم والتعليم، بتنظيم من أكاديمية التبصرة وشركة دايموند للتعليم وإدارة المنشآت التعليمية بالتعاون مع مؤسسة Speak، وبرعاية كلية بريستول للدراسات العليا بالمملكة البريطانية.
رؤية المؤتمر.. التعليم عابر للحدود
حمل المؤتمر رؤية طموحة مفادها أن التعليم يتجاوز الحدود الدولية والجغرافية، ليصبح العالم قرية صغيرة ننشر فيها المعرفة في جميع المجالات. وقد جاء هذا التوجه في ظل التحول الجذري الذي شهدته منظومة التعليم العالمية، حيث أصبحت التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية.
المحاور الرئيسية للمؤتمر
أولاً: الأمن السيبراني في البيئة التعليمية
افتتحت الأستاذة الدكتورة أمنية المراغي، الشريك الدولي بأكاديمية التبصرة وشركة دايموند، المؤتمر بمحاضرة مهمة سلطت الضوء على التهديدات السيبرانية التي تواجه المؤسسات التعليمية، ومنها:
الجرائم الإلكترونية واختراق حسابات المدارس والجامعات
سرقة البيانات الشخصية للطلاب والأساتذة
الهجمات الفدية الإلكترونية على الأنظمة التعليمية
التنمر الإلكتروني والابتزاز الرقمي للطلاب
وأكدت د. المراغي على ضرورة تبني استراتيجيات حماية متعددة المستويات تبدأ من الوعي والمعرفة، مشددة على أهمية تعليم الطلاب كيفية تفادي الهجمات الإلكترونية منذ مراحل الطفولة المبكرة.
ثانياً: الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي
تناول المؤتمر بشكل مفصل الدور المنوط بالذكاء الاصطناعي في تطوير أداء مؤسسات التعليم العالي، حيث تم تسليط الضوء على عدة نقاط جوهرية:
التوجه الاستراتيجي للدولة المصرية
تولي الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بدور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية الشاملة والإصلاح الإداري، وهو ما يتجلى بوضوح في الاستراتيجية القومية للدولة المصرية 2030. وتراهن الدولة على الذكاء الاصطناعي لتطوير الأداء في مختلف القطاعات الحكومية كالتعليم والصحة والقضاء والإسكان.
استجابة المجلس الأعلى للجامعات
استجابة لهذا التوجه القومي، خصص المجلس الأعلى للجامعات المصرية مبلغ عشرة مليار جنيه لتطوير البنية التحتية الرقمية بالجامعات المصرية على مدى السنوات القادمة حتى عام 2030. كما أصدر المجلس عدداً من الأدلة الإرشادية نحو استخدام مسؤول وفعال للذكاء الاصطناعي في مجال البحث العلمي والتعليم العالي، كان آخرها في سبتمبر 2025.
التوصيات الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي
تضمن الدليل الإرشادي الأخير مجموعة من التوصيات الواجب اتباعها:
إعداد العنصر البشري: لا يقتصر دور الجامعات على إعداد البنية التحتية فقط، بل يجب الإعداد الكافي للعنصر البشري القادر على التعامل مع الذكاء الاصطناعي، مثل إعداد دورات تدريبية في مجال هندسة الاستفسارات (Prompt Engineering).
الضوابط الأخلاقية والحوكمة: ضرورة مراعاة الاعتبارات الأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي، مثل احترام موجبات الملكية الفكرية والأمانة العلمية، واقتصار دور الذكاء الاصطناعي على كونه مساعداً في العملية البحثية، واحترام قواعد حماية البيانات والخصوصية وفقاً للمعايير العالمية GDPR وقانون حماية البيانات المصري 2021.
تطوير العملية التعليمية: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحقيق التعليم المخصص الذي يراعي الفروق الفردية بين الطلاب (Personalisation of Education)، والاستعانة به في عمليات التقويم والتقييم.
ثالثاً: علاقة القانون بالتعليم
تحدث المستشار أحمد محمد عبد الحكم، رئيس محكمة الاستئناف ورئيس محاكم الجنايات، والذي ترأس المؤتمر شرفياً، عن علاقة القانون بالتعليم في كل المجالات من واقع خبرته كمحاضر دولي في الجامعات البريطانية والأفريقية وكلية الشرطة بمصر.
كما شارك الأستاذ الدكتور حاتم عبد الرحمن، أستاذ التجارة الدولية ورئيس مركز التحكيم بكلية الحقوق جامعة عين شمس، بمحاضرة عن أهمية تعليم القانون منذ بدء العملية التعليمية، مقارناً بين التعليم في مصر وإنجلترا.
رابعاً: التغذية ودورها في العملية التعليمية
قدم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا، أستاذ التغذية العلاجية والطب البديل، محاضرة مهمة عن دور التغذية في حياة الطفل الطبيعي والطفل المتأخر ذهنياً، وأهميتها في المراحل التعليمية المختلفة بدءاً من مرحلة الجنين وحتى مرحلة الدراسات العليا والحصول على الدكتوراه.
خامساً: التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي
تحدث الدكتور فرحات عبد الغني من وزارة التعليم المصري عن كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتحكم العقل البشري به، مؤكداً على أهمية أن يظل الإنسان هو المسيطر على التكنولوجيا وليس العكس.
الحضور والمشاركة
امتلأت القاعة بحضور متميز من مختلف القطاعات، شمل:
السادة الوزراء ونوابهم
رؤساء الجامعات المصرية
ممثلون عن الشركات التعليمية العربية والأوروبية
قيادات عسكرية مهتمة بالعملية التعليمية
أساتذة الكليات العسكرية
الصحفيون والإعلاميون
طلاب الدراسات العليا
وقد أتاح المؤتمر فرصة ثمينة لطلاب الجامعات لمناقشة القامات العلمية المتميزة في مختلف المجالات، مما أثرى الحوار الأكاديمي وعزز التواصل بين الأجيال.
الضيف الدولي
شارك في المؤتمر الدكتور عيد الكمال القادري من دولة باكستان، الباحث بالدكتوراه في الأزهر الشريف، والذي أشاد بدور مصر والأزهر الشريف في العملية التعليمية التي يفد إليها طلاب العلم من كافة بقاع الأرض، مختتماً كلمته بالآية الكريمة: “ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين”.
الإشادات والتقدير
أشاد جميع الحضور بالإدارة المتميزة للدكتور أحمد مصطفى لأحاديث القامات العلمية، وبتنظيم الأساتذة وطلاب الدراسات العليا للمؤتمر، حيث شعر الجميع بأنهم في قاعة علمية متطورة تتماشى مع هدف المؤتمر للتطور بلا حدود.
التعاون الدولي
أشادت الدكتورة أمنية المراغي بأن التعاون بين أكاديمية التبصرة وشركة دايموند للتعليم مع مؤسسة Speak وصاحبتها الدكتورة أميمة سالم سيمثل طفرة علمية مؤثرة في التعليم المصري، مؤكدة على ضرورة دعم وزارة التربية والتعليم بكل ما هو جديد من التطورات والآفاق الدولية الواسعة.
المقارنة الدولية
أكد المؤتمر أن مصر لا تقل عن باقي الدول في كافة المجالات، وأن العلماء المصريين منتشرون في جميع الدول العربية والأوروبية والأمريكية. وقد تم الإشارة إلى التجارب المتقدمة في التعليم الرقمي والأمن السيبراني في دول مثل الإمارات وتركيا والأردن والعراق، التي حذت حذواً كبيراً في التعامل الحسن مع الذكاء الاصطناعي.
الخلاصة والتوصيات
يعتبر هذا المؤتمر في دورته الأولى نافذة دولية على التعليم المصري وبداية حقيقية لتطور ودمج المدارس بالعلوم عالية التقنية. وقد خرج المؤتمر بعدة توصيات أساسية:
ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية للمؤسسات التعليمية
تدريب الكوادر التعليمية على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول
نشر الوعي بالأمن السيبراني بين الطلاب والمعلمين
تطوير المناهج لتواكب التطورات التكنولوجية العالمية
تعزيز التعاون الدولي في مجال التعليم
مراعاة الضوابط الأخلاقية في استخدام التكنولوجيا الحديثة
ينظر المشاركون والحاضرون إلى هذا المؤتمر كبداية واعدة لسلسلة من المؤتمرات التي ستساهم في تطوير منظومة التعليم المصرية وجعلها في مصاف الدول المتقدمة. وبفضل التعاون بين المؤسسات التعليمية المصرية والشركاء الدوليين، وبدعم من الدولة والقيادة السياسية، يمكن تحقيق رؤية “تعليم بلا حدود” التي تطمح لها مصر في إطار استراتيجيتها 2030.
تحيا مصر ورئيسها وشعبها الطيب آمن ليوم الدين.
المصدر: وقائع المؤتمر الدولي الأول “تعليم بلا حدود”، قاعة محمد حسنين هيكل – نقابة الصحفيين، 6 ديسمبر 2025.




