الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم»: لذة العيش في السفر
عندما تطأ قدماك أرضًا جديدة لأول مرة، وتستنشق هواءً مختلفًا، وتسمع لغة غير لغتك، وترى وجوهًا لا تعرفها، تدرك حينها أن الحياة أوسع بكثير مما رسمناه لأنفسنا في دوائرنا الضيقة. هذا ما علمني إياه السفر، وهذا ما أتمنى أن يختبره كل شاب مصري طموح.
رحلة شخصية خارج الحدود
على مدار السنوات الماضية، منحتني الحياة فرصة الإقامة والعمل في عدة دول حول العالم. لم تكن مجرد رحلات سياحية عابرة، بل كانت تجارب حياتية عميقة غيّرت نظرتي للعالم وللحياة نفسها. عشت في أوروبا وآسيا والخليج، وفي كل محطة تعلمت درسًا جديدًا، واكتسبت مهارة لم أكن أعرفها، وبنيت علاقات إنسانية تجاوزت حدود الجغرافيا واللغة.
السفر ليس ترفًا، بل هو استثمار في الذات. هو مدرسة لا تُشبه أي مدرسة أخرى، وجامعة تمنحك شهادة الحياة قبل أي شهادة ورقية.
لماذا يجب أن نخرج من الدائرة المحلية؟
شبابنا المصري يمتلك طاقات هائلة ومواهب استثنائية، لكننا أحيانًا نحبس أنفسنا في إطار محدود نرسمه بأيدينا. نخاف من المجهول، نقلق من التغيير، ونفضّل البقاء في منطقة الراحة حتى لو كانت لا تحقق طموحاتنا.
العالم اليوم قرية صغيرة، والفرص متاحة لمن يجرؤ على الخروج والبحث عنها. الدراسة في الخارج ليست حلمًا بعيد المنال، والعمل في دول أخرى ليس مستحيلًا. ما ينقصنا أحيانًا هو الجرأة على اتخاذ الخطوة الأولى، والإيمان بأننا قادرون على المنافسة والنجاح في أي مكان.
فوائد السفر والإقامة في الخارج
توسيع الآفاق الفكرية
عندما تعيش في بيئة مختلفة، تتعرف على ثقافات متنوعة، وتفهم طرق تفكير جديدة، وتكتشف أن الحقيقة لها ألف وجه. هذا التنوع الفكري يصنع منك إنسانًا أكثر انفتاحًا وتقبلًا للآخر، وأكثر قدرة على الإبداع والابتكار.
اكتساب مهارات جديدة
اللغات، التكنولوجيا، المهارات المهنية المتقدمة، أساليب العمل الحديثة – كل هذا تكتسبه بشكل طبيعي عندما تعيش في بيئة تنافسية متطورة. المهارات التي تتعلمها في الخارج تصبح رصيدًا يميزك طوال حياتك المهنية.
بناء شبكة علاقات عالمية
العلاقات التي تبنيها في الخارج ليست مجرد صداقات عابرة، بل هي شبكة مهنية وإنسانية تفتح لك أبوابًا لم تكن تتخيلها. زملاء الدراسة والعمل من مختلف الجنسيات يصبحون جسورًا تربطك بفرص لا حصر لها في المستقبل.
الاستقلالية والثقة بالنفس
عندما تواجه التحديات بمفردك في بلد غريب، عندما تحل مشاكلك دون الاعتماد على الآخرين، عندما تنجح في بناء حياة جديدة من الصفر – تكتشف قوة لم تكن تعلم أنها بداخلك. هذه الثقة تصبح جزءًا من شخصيتك وتظل معك أينما ذهبت.
نماذج مصرية ملهمة
تاريخنا المصري مليء بنماذج رائعة لشباب آمنوا بأحلامهم وخرجوا للعالم فحققوا إنجازات عظيمة رفعت اسم مصر عاليًا:
الدكتور أحمد زويل – العالم المصري الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء، وأصبح أحد أهم علماء العالم. لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه لولا قراره بمواصلة دراساته العليا في أمريكا والعمل في أرقى المؤسسات البحثية العالمية.
محمد صلاح – الفرعون المصري الذي أصبح أيقونة عالمية في كرة القدم. خرج من قريته الصغيرة في الغربية ليصبح نجمًا في ليفربول وواحدًا من أفضل اللاعبين في العالم. قصته تلهم الملايين حول العالم.
الدكتور مجدي يعقوب – جراح القلب الأسطوري الذي أنقذ حياة آلاف المرضى حول العالم. سافر إلى بريطانيا وأصبح رائدًا في مجاله، ومع ذلك لم ينس وطنه وعاد ليؤسس مركزًا لجراحة القلب في مصر يخدم المرضى مجانًا.
هؤلاء ليسوا خارقين، بل هم شباب مصريون مثلنا، لكنهم آمنوا بأحلامهم وتجرؤوا على الخروج من دائرة الراحة والمألوف.
كيف تبدأ رحلتك؟
حدد هدفك
هل تريد الدراسة؟ العمل؟ اكتساب خبرة؟ حدد هدفك بوضوح لأن ذلك سيساعدك في رسم خريطة الطريق.
ابحث عن الفرص
المنح الدراسية، برامج التبادل الطلابي، فرص العمل في الشركات الدولية، برامج التدريب – الفرص موجودة لمن يبحث عنها. استخدم الإنترنت، تواصل مع من سبقوك، استشر المتخصصين.
تعلم اللغة
اللغة الإنجليزية أصبحت ضرورة وليست رفاهية. إتقانها يفتح لك أبوابًا لا حصر لها. وإن استطعت تعلم لغة ثانية أو ثالثة، فهذا يزيد من فرصك بشكل كبير.
كن مستعدًا للتحديات
الطريق ليس سهلًا، والتحديات حقيقية، لكنها جزء من التجربة. الغربة، الشوق للأهل، صعوبة البداية، الاختلافات الثقافية – كل هذا سيمر وستخرج منه أقوى وأكثر نضجًا.
احتفظ بجذورك
السفر لا يعني أن تنسى هويتك أو تتخلى عن قيمك. احمل مصر في قلبك أينما ذهبت، كن سفيرًا لبلدك، وحلم دائمًا بأن تعود يومًا لتفيد وطنك بما تعلمته.
رسالة أخيرة
إلى كل شاب مصري يقرأ هذه الكلمات: العالم ينتظرك، والفرص موجودة، وأنت تمتلك القدرة على النجاح أينما ذهبت. لا تدع الخوف يسرق أحلامك، ولا تقبل بحياة أقل مما تستحق.
السفر ليس هروبًا من الوطن، بل هو استثمار في نفسك وفي مستقبلك. وكل من خرج ونجح إنما رفع راية مصر عاليًة في الخارج، وأثبت للعالم أن الشباب المصري قادر على المنافسة والتميز.
لذة العيش ليست فقط في الراحة والاستقرار، بل في التحدي والنمو واكتشاف قدراتك الحقيقية. السفر يمنحك هذه اللذة بأبهى صورها.
فهل أنت مستعد لخوض المغامرة؟
كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي.
الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم»: أمسك لسانك معالي الوزير




