سماحة سليمان تكتب لـ «30 يوم»: الاستنزاف
الاستنزاف… جذرها هو النزيف.
هو أن تُجرح، وينزف مكان الجرح نزيفًا دمويًا يمكن تنظيفه وتعقيمه،
لكن هناك نزيف المشاعر…
نزيف أخطر، لا يُعقّم، ويترك أثرًا طويلًا يبقى حتى بعد أن يلتئم الظاهر.
أنت تنزف—أو بالأحرى تُستنزف—
مشاعرك… روحك…
لأنك دائمًا تسعى لشفاء جروح الآخرين،
تعطي لتُرضي، لكن بلا نتيجة…
وتظل تُرضي تلك المشاعر المستنزفة.
متى يحدث الاستنزاف؟
يحدث حين يكون الركض بلا هدف.
حين نركض وراء أهداف الآخرين،
مع أن المقولة تقول: إرضاء الآخرين غاية لا تُدرك.
وشعور الاستنزاف يشبه تمامًا:
“الركض لإرضاء الآخرين يشبه الجري على جهاز كهربائي…
حركة… تعب… عرق…
بس مكانك واقف. ما بتتقدم خطوة.”
وتصير كلمة “ولا يهمك” جزءًا من هويتك.
“أنا هنا عشان أساعدك… أسعدك… أرتّب لك.”
حتى لو كان الثمن: أنت.
تقبل شيء لا بتحبه.
تأخذ دورًا ليس دورك.
يعتمد عليك ناس طول الوقت.
وعود… وبعدها وعود… وبعدها نفس الوعود.
وفي النهاية، يصبح تعبك واجبًا وليس معروفًا.
الروح تنزف بصمت… والجسد يدفع الثمن بصوت.
علامات الاستنزاف
تبدو واقفًا…
لكن داخلك سباق ما بيهدأ.
خطواتك الداخلية أسرع من خطواتك الخارجية.
“الاستنزاف ما بيجي صراخ…
بيجي تسريب هادي…
خطوة خطوة… تصل لمرحله تلاقي نفسك خاوية بدون تن تعرف اين ذهبت طاقتك.”
تحمل مسؤوليات وُضعت على كاهلك،
ليست مسؤولياتك،
لكن فقط لأنك تريد أن تظهر قويًا… لا تُهزم.
وتنسى أن الروح تتعب…
تتراجع…
وتنحني تحت ثقل القوة المفروضة.
تعرف أنك مستنزف عندما:
– الشعور بالتعب لا بيخف.
– المتعة تختفي.
– تركض لنهاية اليوم، فقط لتستيقظ على طريق شائك جديد.
– والنور الداخلي ينطفئ… رغم محاولاتك البقاء.
كيف نقطع جذور الاستنزاف؟
أولًا… نفهم معنى الركض.
سبب الركض لإرضاء الآخرين.
نسمي الأمور بأسمائها:
هذا استنزاف… ليست مسؤولية… ليس حب… ليس عطاء نقي.
نحدد مكان النزيف:
علاقة؟
عادة؟
توقع؟
دور أكبر من طاقتنا؟
ثم ننسحب بهدوء.
نفهم وقت ومكان الاستنزاف.
نتوقف عن التبرير.
ونوضّح حدودنا:
هذا مقبول… وهذا غير مقبول أبدًا.
هكذا نسترجع الطاقة التي كانت تُهدر بلا سبب.
ننسحب من الركض وراء أهداف غيرنا،
لأننا غالبًا نظن أن أهدافهم هي أهدافنا… وهي ليست كذلك.
تعطيهم السلام… الهدوء… الراحة.
عطاء جميل.
لكن هل يتوقفون عندما يحصلون على ما يريدون؟
لا ولن
لأنك بالنسبة لهم خُلقْت لتوفير راحتهم،
وتوقّفك يُعتبر “عصيانًا” لأهدافهم.
وهكذا… تصبح أهدافهم أهدافك،
وهي في الأصل ليست لك،
ولا تشبع روحك،
ولا تشبِهك.
أنت تركض… بلا هدف.
وهدفك الوحيد يصبح تحقيق أهدافهم.
لكنهم لن يرضوا عنك حتى تتبع “ملّتهم”.
وإن اتبعتها… لن يرضوا.
ستظهر ملة جديدة.
ورغبة جديدة.
وهدف جديد.
لأنهم لا يشبعون…
وأنت من سمحت لهم باحتلال روحك.
العودة إلى الذات
اسمح لروحك أن تتوقف عن الركض لهم.
لا تتحرك…
فقط فكّر:
من أنا؟
ماذا أريد؟
ولو كان طلبي الوحيد… أن أعيش بروحي أنا.
الخاتمة
“الركض بدون نتيجة… مش فشل.
الاستمرار بالركض رغم الألم… هو الفشل الحقيقي.
اقطع الاستنزاف، وارجع لنفسك. من هنا يبدأ الطريق.”
وأقوى قرار؟
زر الإيقاف…
لأنه الوحيد اللي بيوقّف النزيف…
قبل ما ينطفئ.



