توبكُتّاب وآراء

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم»: أمسك لسانك معالي الوزير

في زمن السرعة والانتشار الفوري للمعلومات، أصبحت كلمة واحدة قادرة على إشعال حرائق لا تُطفأ بسهولة، وتصريح عابر يمكن أن يمحو في ثوانٍ إنجازات سنوات من العمل الدؤوب. ومع الأسف، فإن بعض المسؤولين، وخاصة من يحملون لقب “معالي الوزير”، يقعون في فخ التصريحات العفوية التي تثير الرأي العام وتحوّل إنجازاتهم إلى مجرد ذكريات باهتة أمام وهج الغضب الشعبي.
كلمة في غير موضعها
كثيراً ما نسمع تصريحات من بعض الوزراء تبدو بعيدة كل البعد عن واقع المواطن البسيط، أو تحمل في طياتها استهانة غير مقصودة بمعاناة الناس، أو حتى جهلاً بحجم التحديات التي يواجهها الشارع. وما إن تُطلق هذه التصريحات حتى تنتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لتتحول إلى موضوع نقاش وسخرية، بل وغضب عارم أحياناً.
المشكلة ليست في حرية التعبير، بل في غياب الحكمة والتروي. فالوزير ليس شخصاً عادياً يعبّر عن رأيه الخاص في جلسة أصدقاء، بل هو صوت الحكومة، وممثل لسياسة الدولة، وحامل لأمانة خدمة الشعب. كل كلمة يقولها تُحسب عليه وعلى المؤسسة التي يمثلها.
إنجازات تُمحى بجرة قلم
من المؤسف حقاً أن نرى وزيراً قضى سنوات في بناء مشاريع تنموية، وحقق نجاحات ملموسة في قطاعه، ثم يأتي تصريح واحد متسرع ليُلغي كل ذلك في أذهان الناس. يُكتب اسمه بحروف من الغضب في صفحات الرأي العام، وتتحول صفحته على وسائل التواصل إلى ساحة معركة، وتُطلق الهاشتاغات المطالبة باستقالته أو إقالته.
وهنا تكمن المفارقة المؤلمة: سنوات من الجهد تذهب هباءً بسبب دقائق من الاستهتار اللفظي. والأمر لا يتوقف عند شخص الوزير فحسب، بل يمتد ليشمل الوزارة بأكملها، بل والحكومة التي تجد نفسها في موقف دفاعي محرج، تحاول ترميم ما أفسدته كلمات غير محسوبة.
العفوية ليست فضيلة دائماً
يُقال إن العفوية صفة محمودة، وإن الصدق يجب أن يكون صريحاً. لكن في عالم السياسة والمسؤولية العامة، العفوية غير المحسوبة قد تكون كارثة. الوزير ليس مطالباً بأن يكون روبوتاً يقرأ من ورقة دون مشاعر، لكنه مطالب بالحكمة والتأني، وبأن يزن كلماته قبل أن يُطلقها.
التصريحات المتسرعة قد تعكس:
عدم إدراك للواقع: حين يتحدث الوزير من برجه العاجي دون فهم حقيقي لمعاناة الناس.
استخفافاً بالرأي العام: حين يُظهر التصريح عدم اكتراث بمشاعر المواطنين أو احتياجاتهم.
غياب التخطيط الإعلامي: حين تصدر تصريحات دون مراجعة أو تنسيق مع فريق الإعلام والمستشارين.
رسالة إلى معالي الوزير
أمسك لسانك يا معالي الوزير، ليس خوفاً أو ضعفاً، بل حكمة ومسؤولية. تذكر أن كل كلمة تقولها ستُسجل عليك، وأن الناس لديهم ذاكرة قوية للزلات، حتى لو نسوا الإنجازات.
قبل أن تتحدث، اسأل نفسك:
هل هذا التصريح ضروري؟
هل سيُفهم بالشكل الصحيح؟
هل يحترم مشاعر ومعاناة المواطنين؟
هل سيخدم مصلحة الوزارة والدولة، أم سيضر بها؟
إن الصمت الحكيم أفضل ألف مرة من الكلام المتهور. والتأني في التصريح ليس جبناً، بل هو دليل على نضج سياسي ووعي بحجم المسؤولية.

لسنا ضد حرية التعبير، ولا ضد أن يتواصل المسؤولون مع الشعب بشفافية، لكننا مع الكلمة المسؤولة، والتصريح المدروس، والخطاب الذي يبني ولا يهدم. الوزير الناجح ليس من يُكثر الكلام، بل من يُحسن الكلام، ويعرف متى يتحدث ومتى يصمت.
فلنتعلم جميعاً درس الحكمة: أن اللسان قد يكون أخطر سلاح يحمله الإنسان، وأن الكلمة قد تبني جسوراً أو تحرق سفناً.
أمسك لسانك معالي الوزير… فالوطن أهم من أي تصريح عابر.
والله من وراء القصد..

كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي.

 اقرأ أيضا

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم»: الإذاعة المصرية والجمهورية الجديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى