توبكُتّاب وآراء

الإعلامي حمدي رزق يكتب .. كلنا عاوزين سعادة

صادفت على محرك البحث الشهير، (جوجل)، مقولة فلسفية عميقة، للفيلسوف الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو،  “حتى إذا امتلك الإنسان المال وتمتع بالصحة لن يتوقف عن التساؤل إن كان سعيدا أم لا .”

يجيب السياسي البريطاني البارز اللورد بيكنسفيلد، رئيس وزراء بريطانيا، على سؤال شو، ” قل ما شئت عن الشهرة وعن اقتحام الأخطار فإن كل أمجاد العالم وكل حوادثه الخارقة للعادة لا تعادل ساعة واحدة من السعادة العائلية”.

لأبو ضحكة جنان، طيب الذكر “إسماعيل ياسين” منولوج يحمل عمقا ربما أكثر من أعناق شو ، من كلمات عبقري زمانه “أبو السعود الإبياري” يقول : كلنا عاوزين سعادة/

بس إيه هي السعادة / ولا إيه معنى السعادة / قوللي يا صاحب السعادة

قوللي .. قوللي” ..

الذكاء الاصطناعي يجيب علي سؤال شو ، السعادة حالة نفسية وعاطفية تتسم بالشعور بالفرح، والرضا، والامتنان، يكون فيها الفرد راضيًا عن جوانب حياته المختلفة، وتشمل أيضا الشعور بالحياة الهادفة ، و معني السعادة يختلف تعريفها من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى، ولكنها تتضمن غالبا توازن المشاعر الإيجابية والسلبية، والرضا عن الذات والظروف الشخصية.

ما يلخصه طيب الذكر الدكتور ” مصطفى محمود ” ، بقوله: “السعادة ليست في الجمال ولا في الغني ولا في الحب ولا في القوة ولا في الصحة.. السعادة في استخدامنا العاقل لكل هذه الأشياء”.

**

وللسعادة هرمون، ” الأوكسيتوسين ”  حيث يتم إفرازه بالجسم عندما نشعر بالأمان والاتصال بالأشخاص الذين نثق بهم، والغرض منه هو تقوية الروابط بين البشر، ومساعدة الآباء على الارتباط بأطفالهم، والحفاظ على الوحدات الأسرية وتقريب الأزواج معًا .

ويطلق على هرمون الأوكسيتوسين اسم هرمون السعادة المسئول عن الاندفاع اللطيف للدفء والرضا الذي تشعر به عند التفاعل بمحبة مع الأشخاص الأقرب إليك، وكذلك السلوكيات المشجعة والمجزية التي تقوي الروابط الأسرية.. ويرجع الشعور بالبهجة والرضا بعد الذهاب لممارسة رياضة المشي والجري إلى قيام الإندورفين بعمله، مما يقلل من الإحساس  بالألم ويزيد من مشاعر المتعة.. ولكن ماذا لو بدلاً من مجرد انتظار إفراز الهرمونات عندما نفعل شيئًا يجعلنا نشعر بالرضا، فعلنا أشياء لتحفيزها عن قصد؛ لتحفيزنا على التمتع بعادات صحية في العمل ووقت الفراغ والعلاقات؟ على سبيل المثال: على الرغم من أنك قد لا ترغب في ذلك على الإطلاق، إلا أن عناقًا طويلًا بعد مشادة مع أحد أفراد أسرتك، والذي يستمر لمدة 20 ثانية، سيؤدي إلى إطلاق أقصى قدر من الأوكسيتوسين (بالإضافة إلى هرمون السيروتونين، هرمون استقرار الحالة المزاجية والسعادة)، مما يجعلك تشعر بأنك أقرب ويقلل من التوتر وتخبر عقلك أنك تشعر بالأمان والحب مرة أخرى، وهنا يتم إصلاح الرابطة التي شعرت بالكسر بسبب غراء الأوكسيتوسين الدافئ الغامض المعزز ..

**

أعلاه دعوة للسعادة فى زمن شحت فيه الفرحة فى الأسواق، تجار السعادة بارت بضاعتهم، وفي فيلم “أرض النفاق” طلب الجميل فؤاد المهندس “مسعود أبو السعد” من تاجر الأخلاق، “عبد الرحيم الزرقاني” كل ما يتمناه لجلب السعادة، لكنه بات حزينا محسورا.. لأنه لم يشتر بعض السعادة الحقيقية النابعة من القلب الطيب .

السعادة شعور عزيز، نادرا ما تبان سعيد، أندر ما في الوجود، فإذا فاتتك السعادة، فقل الحمد لله على الصحة والستر، الرضا اكتفاء بالموجود مع ترك الشوق للمفقود، والسعيد من التمس أسباب الرضا والقناعة حيثما كان، فالتمسوا أسباب السعادة في حياتكم، لا تفوتوا لحظة رضا دون حمد..

الأمن والأمان نعمة، والصحة نعمة، والستر نعمة، والنعم ثلاث: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها، والأخيرة مستوجب استشعارها، ونحمد الله عليها، واستشعارها بالرضى بالمقسوم، والنعم تمحق النقم، والرضى من القناعة، والقناعة طريقها الحمد، ولو تعرفون سر الحمد، لكان الحمد عنوانا .

قلب وجهك حولك، سترى عجبا، المفطورون على الحمد تعمهم السعادة، وسرهم الباطني “القناعة كنز لا يفنى” والقناعة صنو الطموح، لا تعارض بينهما، والقناعة طريق معبد للنجاح، والنجاح بالتوفيق بعد الجهد والسعي والاتقان، وما توفيقي إلا بالله.

يقول الإمام على رضى الله عنه: “إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك، فأغمض عينيك”، والحكيمة “هيلين كيلر” تقول، “بكيت لأنني لا أملك حذاء، حتى اليوم الذي رأيت شخصا لا يملك قدمين”، وللروائي الكبير “باولو كويليو” قولا حكيما “النعمة التي يتم تجاهلها تصبح نقمة”، ولشاعر العرب الكبير “أبو الطيب المتنبي” قولا عميقا، “ينعم الله بالبلوى وإن عظمت.. ويبتلي الله بعض القوم بالنعم..”

لماذا حديث النعمة والحمد جلبًا للسعادة، لأن البعض بات ضجرا، جاحدا بنعمة الله، وكما قال أديب نوبل العظيم نجيب محفوظ “الجحود بالنعمة أحيانا يرتدي ثوب الضجر”، وضَجِرَ في المعجم، شعَر بكَلَل وفَراغ من جَرَّاء التَّعطُّل أو إِشغال الفِكْر بما لا لَذَّةَ ولا فائِدةَ ولا خَيْرَ فيه، ومن حِكَم أبي عبد الله (الشيعي) “لا تكن ضجرا ولا غلقا، وذلّل نفسك باحتمال مَنْ خالفك ممّن هو فوقك، ومَنْ له الفضل عليك.. فإنّما أقررت له بفضله لئلاّ تخالفه”.

ومن الكتاب الكريم، “فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ” (القلم : ٤٨ )،  وفى التفسير (فاصبر لحكم ربك) اصبر على أذاهم لقضاء ربك (ولا تكن) في الضجر والعجلة (كصاحب الحوت) وهو يونس بن متى (إذ نادى) ربه (في) بطن الحوت (وهو مكظوم) مملوء غما .

وعن الغم الذى هو من الحزن .

يقول حكيم “إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في شعرك”، عالج الحزن باستدعاء لحظات السعادة والهناء، ولا يستغرقك غم، ونظر “زين العابدين” رحمه الله إلى سائل يبكي فقال: “لو أن الدنيا كانت في يد هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي أن يبكي عليها”..

يسمونه البكاء على اللبن المسكوب، لا تبكي على اللبن المسكوب، لا تحزن على ما مر، وتطلع إلى صفحة السماء طلبا للكرم الإلهي، وقد حكى ابن العربي، رحمه الله، ستة عشر قولا في معنى اسم الله الكريم، منها الذي يعطي بلا عوضٍ، والذي يعطي دون سببٍ، ومنها أنّه الذي يعطي المحتاجين وغير المحتاجين، ومنها الذي يعطي قبل أن يُسأل أو يُطلب منه، ومنها أنّه الذي لا يترك من توسّل إليه، فيظهر من ذلك أنّ الله – سبحانه – كثير الخير والكرم على عباده لعموم قدرته، وسعة عطائه، قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ” (الحجر / ٢١).

المصور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى