توبكُتّاب وآراء

د.محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم» :«الذين يظنون أن الله لم يهدِ سواهم»..!!

بُلينا بقومٍ يظنون أن الله لم يهدِ سِواهم ” ؛ وكأن المفكر والفيلسوف إبن سِينَا الذى قال هذه العبارة فى أواخر القرن الرابع الهجرى كان يستقرأ واقعنا اليوم وما يحدث هذه الأيام !!..

وإبن سينا الذى وُلد فى 980 م 370 هجرية يعد واحدًا من المفكرين الموسوعيين فى العصور الوسطى والمرجع الأساسي للكثير من العلوم لعدة قرون ..

فقد توقفت منذ أيام عند خطاب ذلك الداعية الإسلامى المنتمى لدولة عربية مجاورة أمام حشدٍ من الناس مَنقولاً تلفزيونيًا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي زاعماً فيه أن الصلاة فى المسجد الذى به ضريح باطلة ..!!

وذلك على غير ما تقضى به سيرة السُنة النبوية المطهرة ، بل وعلى غير ما عليه حال المسجد الحرام فى مكة نفسها والمسجد النبوى الشريف فى المدينة ..

إن هذا الداعية بذلك ، ينتمى لأؤلئك الذين يفهمون الإسلام بِغَلَبة الظن ، لا عن عِلمٍ أو فهمٍ أو إدراكٍ حقيقي ، الأمر الذى جعل منهم منصات للتطرف والتشدد والكراهية وتكفير الناس والوطن ، فجاؤوا بما لم يأتًِ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته المكرمين ..

ولم يكتفِ هذا الصِنف من الناس بذلك ، بل وصل بهم الأمر إلى تسليط صِبيانهم وسفائهم على هدم أضرحة الصالحين ، بناءً على تصورات خاطئة فى أذهانهم ، ويرمون أهل السُنة بالشِرك والبدعة والفِسق ويصفونهم بعباد القبور أو القبوريين ، حتى أن أحدًا  من المسلمين على مر العصور لم يسلم من أذاهم وتطرفهم ..

ونسى هؤلاء أن هذه الأمة المحمدية معصومة من الشِرك لقول الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم : “والله لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدى ولكنى أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ” ، فكيف لهؤلاء أن يصفون جِماع هذه الأمة من السلف والخلف بعُباد القبور أو  “بالقبوريين” لصلاتهم فى المساجد التى بها أضرحة ..

لقد وصل بهم الأمر إلى أن علقوا يافطات “بضوء النيون ” على باب مساجدهم كُتب فيها // المسجد ليس به ضريح // كما هو الحال فى مسجد “المسبح ” الموجود بمنطقة السيدة عائشة بالقاهرة لإرشاد ذويهم ممن يعتنقون فِكرهم  المتطرف للصلاة به دون غيره ، وحتى لا يعبرون الطريق للصلاة فى المسجد المقابل لواحدة من آل البيت وهى السيدة عائشة بنت جعفر الصادق رضي الله عنهم أجمعين ..

وغَمُض على هؤلاء الجُهال أن المسجد الحرام بمكة الذى يصلى به الملايين من المسلمين ، وتوزن الصلاة به بمائة ألفٍ عما سواه ،  مدفون فيه نحو سبعين من الأنبياء بين زمزم والمقام – بينهم نوح وهود وصالح وشعيب – كما أخرج ذلك إبن كثير فى “البداية والنهاية ” ..

ولأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، فلازالت أجسادهم موجودة  والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم ذلك ، ولو أن وجودهم غير شرعى أو حرام ، لحفر النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجهم ..

بل أن الكعبه المشرفة نفسها وهى أفضل بقاع الأرض عند الله ورسوله والتى يصلى ويطوف حولها الملايين ، دفن بداخلها إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام ، فى حِجر الكعبه الذى هو جزء من داخل الكعبه والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك..

كما أن المسجد النبوي فى المدينة الذى توزن فيه الصلاة بألفٍ عما سواه ، بإستثناء الحرم المكي ، يوجد به ثلاثة قبور ، واحدُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإثنان  لصاحبيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ..

فإذا كانت الصلاة بالمسجدين المكى والنبوى تفوق ثوابًا عما دونهما ، فهذا يقودنا الى حقيقة أن الصلاة بالمسجد الذى به ضريح لنبى أو لصالح هو أكثر فضيلةً من المسجد الذى ليس به ذلك ، لتواجد الملائكة بالمكان الذى به نبى أو صالح فتستغفر لمن يصلى به كرامةً لصاحبه ..

وأتساءل أيضًا هل كانت أم المؤمنين عائشة من عُباد القبور لأنها ظلت تصلى فى حجرتها التى دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولايزال جسده الشريف بها ..

وهل كان صحابة الرسول الأكرم “عُباد قبور ” لأنهم كانوا يصلون فى مسجد الخِيف بالقرب من مِنى والذى دفن فيه جمعٌ من الأنبياء ، وهل ملايين المسلمين عُباد قبور لأنهم يصلون فى المسجد النبوى بالمدينة !..

وهل علماء المسلمين الذين يصلون فى الجامع  الأزهر الشريف منذ مئات السنين عُباد قبور لأن به العديد من القبور ، بينهم قبر الأمير علاء الدين طيبرس، وقبر الأمير أقبغا عبد الواحد ، وقبر الأمير جوهر القبقبائى ، وقبر الأميرة نفيسة البكرية ، وقبر الأمير عبد الرحمن كتخدا ، وقبر الشريف محمد الأخرس القرافى ..

إن هؤلاء المتطرفون يتشدقون بكلام وأقوال تتناقض مع أقوال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذين يزعمون أنهم ينتمون إليه ، وتخالف أفكارهم نهج صحابته والتابعين له الذين ساروا على سنته العطرة ..

فعلى ضوء ما أسلفنا من حقائق وبراهين ، يتضح لنا كذب وإفتراء هذه الفئة المتطرفة على أهل السنه ووصفهم لهم بأنهم عباد قبور أو قبوريين ، كما يتبين لنا بجلاء  أن المسجد الذى به ضريح لنبى أو لصالح هو أكثر فضيلةً من المسجد الذى يخلو من ضريح ، وذلك أسوة بالمسجدين المكى والنبوى فى مكة والمدينة …

“ كاتب المقال د. محمد المنشاوي سياسي وأديب ، نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط للشؤون الدولية والتعاون الدولي ، وكبير محرري شئون رئاسة الجمهورية سابقًا ، والحائز على جائزة “ملهم الدولية – وشخصية العام لسنة ٢٠٢٤ ” فى مجال الإعلام الهادف والتثقيف السياسي ” من منتدى رواد الأعمال العرب ”.

 اقرأ أيضا

د.محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم» : أمريكا ودموية السيطرة على العالم..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى