توبكُتّاب وآراء

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم»: الإعدام لمنعدمي الضمير .. من غشنا فليس منا

في زحام الأسواق الشعبية، حيث تمتد أيادي الفقراء بجنيهات معدودة بحثًا عن لقمة العيش، يقف تاجر بلا ضمير يبيع الموت في ثوب الطعام. إنها جريمة تتكرر يوميًا في صمت مخيف، جريمة يرتكبها من باع ضميره واشترى بثمنه البخس جشعًا لا يعرف الرحمة.
الجريمة التي تُرتكب في وضح النهار
تخيل معي المشهد: فراريجي يتجول بين المزارع، عيناه الجشعتان تبحثان عن الدجاج المريض، الذي أوشك على الموت، الذي حكمت عليه المزرعة بالإعدام لأنه لم يعد صالحًا للاستهلاك الآدمي. يشتريه بأبخس الأثمان قبل أن تتخلص منه المزرعة، يذبحه، ينظفه، يجمله، ثم يعرضه في محله البائس على أنه دجاج طازج صالح للأكل.
والضحية؟ امرأة بسيطة تمد يدها المتعبة بجنيه أو جنيهين، تبحث عن وجبة لأطفالها، تثق في أن هذا التاجر مسلم مثلها، يخاف الله مثلها، لكنها لا تعلم أنها تشتري المرض، تشتري السموم، تشتري الموت البطيء لعائلتها.
“من غشنا فليس منا”
هذه ليست مجرد كلمات، بل حديث شريف قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث يهز القلوب ويزلزل الأرض تحت أقدام كل غشاش. “فليس منا” – يا لها من كلمة! إنها طرد من رحمة النبي الكريم، إعلان براءة منه ومن فعله الدنيء.
الغش ليس مجرد معصية عابرة، إنه خيانة للأمانة، وخيانة للمجتمع، وقتل بطيء للناس. وعندما يكون الغش في الطعام، فهو أشد جرمًا وأعظم إثمًا، لأنه يستهدف أضعف الناس وأفقرهم، يستهدف صحتهم وحياتهم.
الثمن الحقيقي للجشع
ما الذي يدفع إنسانًا لأن يبيع الدجاج المريض للفقراء؟ جنيهات قليلة؟ ربح هزيل؟ إنه الجشع الأعمى الذي يقتل الضمير ويميت القلب. هؤلاء التجار لا يرون في الناس إلا أرقامًا، لا يرون الأم التي ستطبخ هذا الدجاج لأطفالها، ولا يرون الطفل الذي سيمرض من أكله، ولا يرون الأسرة التي قد تتحول حياتها إلى جحيم بسبب التسمم.
الدجاج المريض يحمل أمراضًا وبكتيريا قاتلة: السالمونيلا، الإشريشيا القولونية، الكامبيلوباكتر، وغيرها من الجراثيم التي تسبب تسممات غذائية حادة، قد تؤدي إلى الوفاة خاصة عند الأطفال وكبار السن. هذا ليس طعامًا، هذا سلاح بيولوجي يُستخدم ضد الفقراء.
لماذا “الإعدام” في العنوان؟
قد يستغرب البعض من شدة العنوان، لكن دعونا نفكر بعقلانية: من يبيع الموت للناس، من يسمم الأطفال عمدًا، من يستغل فقر الفقراء ليقتلهم ببطء – ماذا يستحق؟
أليس من العدل أن تكون العقوبة رادعة؟ أليس من الحكمة أن نحمي المجتمع من هؤلاء المجرمين الذين يلبسون ثوب التجار؟ في بعض الدول، جرائم الغش الغذائي التي تؤدي إلى وفيات تُعاقب بأقصى العقوبات، لأن القانون يرى فيها قتلًا متعمدًا.
الإعدام هنا ليس انتقامًا، بل حماية للمجتمع، رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه أن يتاجر بصحة الناس وأرواحهم: لن تفلت من العقاب.
المسؤولية الجماعية
لكن الجريمة لا يرتكبها الفراريجي الجشع وحده. هناك شركاء في الجريمة:
المفتش الفاسد الذي يغض الطرف مقابل رشوة.
المسؤول المتهاون الذي لا يقوم بواجبه في الرقابة.
المجتمع الصامت الذي يرى الجريمة ولا يبلغ عنها.
كلنا مسؤولون عن حماية بعضنا البعض. الدين أمانة، والوطن أمانة، والناس أمانة في أعناقنا.
ماذا نفعل؟
على المستوى الفردي:
لا تشتري من مصادر مجهولة أو مشبوهة.
إذا شككت في جودة الطعام، لا تشتريه مهما كان رخيصًا.
بلّغ عن أي محل مشبوه للجهات المختصة.
انشر الوعي بين الناس عن مخاطر الغش الغذائي.
على مستوى الدولة:
تشديد الرقابة على الأسواق والمزارع.
عقوبات صارمة رادعة ضد الغشاشين.
تفعيل دور الإعلام في كشف هذه الجرائم.
تسهيل طرق التبليغ عن المخالفات.
الضمير قبل الربح
في النهاية، هذه ليست قضية اقتصادية، بل قضية أخلاقية وإنسانية. المال الحرام لا بركة فيه، والربح الذي يأتي من جيوب الفقراء وعلى حساب صحتهم هو مال ملعون، سيكون وبالًا على صاحبه في الدنيا والآخرة.
“من غشنا فليس منا” – كلمات قالها النبي الكريم منذ أكثر من 1400 عام، لكنها اليوم أكثر راهنية من أي وقت مضى. فلنجعلها شعارنا في حياتنا، في تجارتنا، في معاملاتنا.
ولنتذكر دائمًا: الجنيهات القليلة التي تربحها من الغش اليوم، قد تكلفك كل شيء غدًا – في الدنيا قبل الآخرة.
الفقير عندما يمد يده بجنيه، يمد معها ثقته وكرامته وحياة أطفاله. فلا تخونوا هذه الأمانة.
بسم الله الرحمن الرحيم
“وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ” – صدق الله العظيم.

كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي.

 اقرأ أيضا

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم»: رسالة من كبير مثلكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى