توبكُتّاب وآراء

د.محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم» : أمريكا ودموية السيطرة على العالم..!!

قد لا يصدق المرءُ أنه منذ إستقلالها فى 4 يونيو 1770 م ،لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية سوى 17 عاماً فقط عن شن الحروب والصراعات المسلحة ضد الدول لمعاقبتها أو لنهب ثرواتها بما خلف الملايين من الضحايا ، إستمراراً لسيطرتهاعلى العالم جبراَ وتجبراً.. والتاريخ يحكى!!..

لتتحول سردية “دموية السيطرة ” الأمريكية فى العصر الحديث ، تحت وطأة خسائرها البشرية والمادية الكبيرة ، من شن الحروب المباشرة إلى خوض الحروب “بالوكالة” ، مصداقاً لإعترف وزير دفاعها لويد أوستن الذى قال : “لقد وَلَى عهد الحروب التقليدية بعد أن أفقدت الولايات المتحدة آلاف البشر ومليارات الدولارات “..

ولم يكن إعتراف الوزير الأمريكى بالتحول إلى الحروب بالوكالة ، إنطلاقاً من إحساس بالإنسانية أو وخذً الضمير أو الشعور بالأسى تجاهحجم الضحايا وسقوط الملايين من الأرواح البشرية بين شعوب دول العالم التى إستهدفتهم دموية الهيمنة الأمريكية،إما لمعاقبتهم وتأديبهم أو للإستيلاء على ثرواتهم ومقدراتهم أو لتعطيلهم ووئد نهوضهم وتقدمهم خشية أن يؤثر سلباً على إستدامة هذه الهيمنة الأمريكية على العالم ..

ويأتى حديث الوزير الأمريكى فى وقت أشارت فيه صحيفة نيويورك تايمز إلى هذا الإنتشار الواسع للقوات الأمريكية على مستوى العالم وكُلفَتهُ المالية والبشرية على الولايات المتحدة وإستمرار الحروب الأمريكية دون إنقطاع خاصة منذ 11 سبتمبر 2001 ، وتساءلت عن قدرة إحتمال الأمريكيين لهذ الوضع ؟؟ ، فمسألة تمويل حروب أمريكا بالخارج تمثل أرقاماً فلكية ونتائج غير محسومة …

ووفق دراسة أجرتها جامعة براون 2019 حول تكاليف الحرب الأمريكية فى أفغانستن وباكستان وحدهما ، فإن الولايات المتحدة أنفقت ما يقرب من 978 مليار دولار ، ورغم سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان فإن واشنطن وحلف الناتو تعهدَا بتقديم 4 مليارات دولار سنوياً من أجل تمويل القوات الأفغانية ..فالهيمنة الدموية الأمريكية ما هى إلا “ميثاق غير مكتوب” وثقافة نشأت وتغلغلت فى وجدانصُناع قرار هذه الدولة وسكانها لا يحِيدون عنها منذ إستقلال بلدهم..

فعلى مدى التاريخ الأمريكى (247 عاما) لاسيما بعد إنتهاء الحرب الأهلية فى عام 1865 ، تورط الجيش الأمريكى فى مغامرات عسكرية بالخارج عندما شرعت هذه الدولة الوليدة فى التوسع ، بضم أقاليم فى شرق وغرب وشمال وجنوب العالم الأمر الذى دفعها فى سبيل ذلك لخوض حروب مع بريطانيا وأسبانيا والمكسيك تحت ذريعة حماية المصالح التجارية والتجار الأمريكيين ..

لتحارب هذه الدولة فى شرق آسيا والصين وكوريا واليابان والفلبين مرورًا بليبيا والجزائر فى البحر المتوسط ، وإستمراراً بأغلب جزر الكاريبى ثم هندوراس ونيكاراجوا وبنما وكولومبيا وجرينادا ولبنان والعراق ويوغسلافيا وكوسوفو والبوسنة والهرسكوفيتنام والصومال ، وما حدث لليابان وضحايا قنبلة هيروشيما تأديباً لها عندما تجرأت طوكيو فى السابع عام 1941 على مهاجمة الأسطول الأمريكى بميناء هاربر بجزر هاواى ، لتنتهى الحرب العالمية الثانية بعد 6 سنوات من القتال الشرس خسرت فيه البشرية 17 مليون من العسكريين وأضعاف هذا الرقم من المدنيين ..

ولاتزال الولايات المتحدة تمارس “دموية الهيمنة ” والإبتزاز حتى من خلال تدخلها “بالوساطة الشكلية” لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومساومتها لأوكرانيا من أجل السيطرة على معادنها النفيسة مقابل توسطها ، وهو ما يمثل دليلاً على تلك الهيمنة التى لا تتوقف شراهتها ..

وإكتوت منطقة الشرق الأوسط أكثر من غيرها بنيران “دموية السيطرة ”  الأمريكة فى ظل وجود صنيعتها إسرائيل المارقة ، والتى تمارس واشنطن من خلالها حرباً بالوكالة على دول الإقليموالإبتزاز المالى لحكوماته الخليجية..

فلم نكد ننسى الغزو الأمريكى للعراق الذى تحول لإحتلال لبلاد الرافدين ما بين 20 مارس 2003 إلى 18 ديسمبر 2011 والذى شكل حدثاً محورياً فى منطقة الشرق الأوسط بحجة ذريعة وأكذوبة إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل مما أدى إلى إسقاط نظام صدام حسين وخسائر بشرية قُدِرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين ..

وفى ظل حربها بالوكالة ، أطلقت واشنطن يد إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة للعربدة فى غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان ولم تكتكفِ تل أبيب بما فعلته من إبادة جماعية للفلسطينيين فى قطاع غزة والتوسع فى الضفة ، بل راحت لتحتل أجزاء إضافية فى الأراضى السورية حتى وصلت مساحة هذه الأراضى إلى أكثر من 780 كيلوا متراً مربعاً ، أى أكثر من مساحة لبنان أو الضفة والقطاع .. ويستمر تحرشها بلبنان توطئة لإعادة غزوها بحجة محاصرة سلاح حزب الله ..

والحقيقة أن وسائل واشنطن لتحقيق ثقافتها ودموية الهيمنة فى السيطرة على الدول والشعوب لا تتوقف فى الوقت الراهن على شن الحروب أو النزاعات المسلحة المباشرة أو حتى الحروب بالوكالة بل تتراوح هذه الوسائل – إلى جانب ما سبق –  بين فرض العقوبات والرسوم الجمركية على الدول القوية مثل الصين وروسيا ، فكل له نوعُ من السيطرة حسب قوته ، أوالإبتزاز وفرض الإتاوات على الحكومات الغنية التى تفتقر إلى ظهير شعبى تتحصن به ، لتمتد أساليب هذه السيطرة إلى خلق ما يسمى بدول “الميليشيات” العميلة والخاضعة لها ، بديلاً عن مفهوم الدولة الوطنية حتى يسهل السيطرة عليها والإستيلاء على ثرواتها وإضعافها داخلياً بما يخدم مصالحها ومصالح صنيعتها إسرائيل ، وهو ما حدث – ولايزال – فى سوريا وليبيا والسودان ، وذلك بعد أن إصدمت مخططاتها وبرامجها الطامعة فى الإقليم بالدولة الوطنية القوية فى مصر التى أجهضت مؤامراتهاوأفسدت مخططاتها ..

فدموية السيطرة الأمريكية ما هو إلا “ميثاق غير مكتوب” وثقافة نشأت وتغلغلت فى وجدان سكان هذه الدولة وصناع قرارها منذ نشأتها وإستقلالها ، تلك الثقافة التى إستهلت ممارستها على سكان البلاد الأصليين أصحاب الأرض من الهنود فى أمريكا التى روعتهم وإستأصلت شأفتهم وتخلصت منهم .. والتاريخ يحكى ..

“ كاتب المقال د. محمد المنشاوي سياسي وأديب ، نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط للشؤون الدولية والتعاون الدولي ، وكبير محرري شئون رئاسة الجمهورية سابقًا ، والحائز على جائزة “ملهم الدولية – وشخصية العام لسنة ٢٠٢٤ ” فى مجال الإعلام الهادف والتثقيف السياسي ” من منتدى رواد الأعمال العرب ”.

اقرأ أيضا

د. محمد المنشاوي يكتب لـ «30 يوم» : « الإشتغال بالسياسة والإتِجار بالوطنية » ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى