توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : مشهد انتخابي لا يليق بالجمهورية الجديدة

لم تكن تطلعات المصريين إلى الجمهورية الجديدة مجرد شعارات أو أحلام معلقة، بل كانت تصورًا وطنيًا شاملًا لدولة حديثة تُدار بآليات شفافة، وبمؤسسات قوية، وبمشهد سياسي يعكس طموحات مجتمع يسعى إلى التطور والاستقرار. غير أن الواقع الانتخابي الذي شهدته بعض الدوائر مؤخرًا لم يكن على مستوى هذا الطموح، وترك حالة من الاستياء العام بسبب ممارسات لا تليق بمستقبل دولة تعيد بناء نفسها.

كل شئ أصبح يباع ويُشترى حتى مقعد البرلمان صار له تسعيرة في ظل نظام القائمة المطلقة المغلقة،تصل إلى ملايين الجنيهات. هذه الظاهرة الخطيرة لا تُعد فقط اختزالًا للعمل السياسي في منطق السوق، بل تمثل انحرافًا عن فلسفة القوائم التي يفترض أن تقوم على الكفاءة والتنوع وتمثيل أوسع لأطياف المجتمع، لا على قدرة المرشح المالية .
أما من اضطُر غير باغ ولا عادٍ لخوض الانتخابات بالنظام الفردي الذي يفترض نظريًا أنه ساحة تنافس سياسي مباشر قائم على الشعبية، عليه أن يدفع لشراء الأصوات تحت ضغط الرغبة في الفوز وغياب المنافسة الحقيقية. وهكذا يتحول السباق من منافسة برامج وأفكار إلى مزايدات مالية.

تكرار هذه المظاهر يعكس حقيقة واحدة وهي أن المال السياسي أصبح اللاعب الأقوى، في حين تتراجع الاعتبارات الطبيعية لأي عملية انتخابية مثل الثقة في المرشح، وسمعته، وتاريخه، ومشروعه الخدمي .

إن ما يحدث ليس مجرد خلل عابر، بل تهديد صريح لفلسفة الجمهورية الجديدة، التي من المفترض أن تُبنى على محاور أساسية أهمها حياة سياسية ناضجة ومنافسة شريفة، ومؤسسات تحظى بالثقة العامة .

وحين يصبح المقعد النيابي التشريعي خاضعًا لميزان الذهب لا لميزان الكفاءة، تفقد العملية الديمقراطية معناها، ويتحول البرلمان من مؤسسة تشريع ورقابة وسُلطة إلى نادي إجتماعي يمنح الحصانة لأعضائه الذين استطاعوا إليه سبيلا .

الأخطر في هذا المشهد، هو الأثر المعنوي على المواطن، فالمصري الذي صبر على الغلاء وتحمل تبعات التعافي الاقتصادي وحلم بجمهورية أكثر عدلًا وشفافية، لا يمكن أن يتقبل بسهولة مشاهد شراء الأصوات، أو الحديث عن ملايين تدفع للترشح. هذه الممارسات تخلق فجوة بين المواطنين وبين العملية السياسية، وتؤدي إلى إحباط قد ينعكس سلباً على المشاركة مستقبلاً .

إذا أردنا انتخابات تعبر عن “الجمهورية الجديدة” بحق، فلا بد من مراجعة نظام القائمة المطلقة المغلقة، أو ضبط آليات تشكيلها، و مواجهة المال السياسي بحزم عبر تطبيق صارم للقانون، ورفع سقف الشفافية والإفصاح عن الإنفاق الانتخابي.
لتأكيد أن المشاركة السياسية ليست تجارة ولا صفقة، بل مسؤولية وطنية.

الجمهورية الجديدة مشروع عظيم لا يليق به مشهد انتخابي ملوث بالمال السياسي، المطلوب أن تعود العملية الانتخابية إلى مسارها الطبيعي، حيث يفوز الأصلح وليس الأغنى، ويتم اختيار من يمثل الناس لا من يدفع أو يستطيع شراء الأصوات .
Khalededrees2020@gmail.com

 اقرأ أيضا

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : خيبة أمل سياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى