توبكُتّاب وآراء

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : في الرزق باب القبول .. وماهي مفاتيحه؟

في زحمة الحياة وسعينا الدؤوب وراء الرزق، نغفل أحياناً عن باب عظيم من أبواب الرزق، باب قد لا يُفتح بالمال أو الشهادات أو الخبرات وحدها، بل يُفتح بمفتاح نوراني اسمه “القبول”. فكم من صاحب مال وجاه لا يجد له قبولاً بين الناس، وكم من إنسان بسيط الحال يملك من القبول ما يفتح له القلوب والأبواب.

القبول.. نور يسبق صاحبه

القبول هو ذلك النور الخفي الذي يجعل الناس تطمئن إليك قبل أن تتكلم، وتثق بك قبل أن تعاملهم، وتميل إليك من غير سبب ظاهر تدركه. إنه سر من أسرار الرزق الذي يفتح أبواباً لا تُفتح بغيره. فالتاجر يحتاج القبول ليكسب زبائنه، والموظف يحتاجه ليترقى في عمله، والطبيب يحتاجه ليثق به مرضاه، والمعلم يحتاجه ليؤثر في طلابه.

وقد قال السلف الصالح: “من أُعطي القبول فقد أُعطي خيراً كثيراً”، وصدقوا في ذلك، فكم من مشروع نجح بقبول صاحبه، وكم من عمل بارك الله فيه بسبب قبول القائم عليه.

كيف يفتح القبول أبواب الرزق؟

القبول يصنع المعجزات في عالم الأرزاق. فحين يقبلك الناس، يتوافدون على محلك، ويطلبون خدماتك، ويرشحونك لفرص لم تكن تحلم بها. القبول يجعل كلمتك مسموعة، ورأيك محترماً، وحضورك مرغوباً. إنه يختصر عليك سنوات من الجهد والتعب، ويفتح لك أبواباً كانت موصدة.

في عالم الأعمال، القبول هو رأس المال الحقيقي. فالعميل لا يشتري منك المنتج فحسب، بل يشتري ثقته فيك وارتياحه لك. والموظف لا يُرقى فقط بكفاءته، بل بقبوله بين زملائه ومديريه. حتى في المجالات الإبداعية، الفنان أو الكاتب الذي يملك القبول يجد جمهوره ينتظر كل عمل جديد له بشغف.

القبول.. فطرة أم اكتساب؟

هنا يكمن السؤال الجوهري: هل القبول هبة ربانية يولد بها الإنسان، أم مهارة يمكن تعلمها واكتسابها؟

الحقيقة أن القبول يجمع بين الأمرين. فهناك بلا شك قبول فطري، هبة من الله يمنحها لمن يشاء من عباده، فترى الناس تميل إلى شخص ما من أول لقاء دون سبب واضح. لكن هذا لا يعني أن من لم يُرزق هذه الهبة محروم من القبول، بل إن معظم القبول يمكن اكتسابه وتنميته بالعمل على النفس.

القبول المكتسب يأتي من خلال تهذيب الأخلاق، وتحسين التعامل، والاهتمام بالآخرين، وحسن الاستماع، والصدق في القول والعمل. إنه يُبنى لبنة لبنة، بالابتسامة الصادقة، والكلمة الطيبة، والوفاء بالوعد، والإخلاص في العمل.

مفاتيح القبول.. كيف تزيد قبولك عند الناس؟

إذا أردت أن تفتح باب القبول في حياتك، فإليك هذه المفاتيح:

أولاً: الإخلاص والصدق – فالناس تشعر بصدقك من كذبك، وإخلاصك من نفاقك. والقلوب لها أجهزة رادار خفية تكشف المعادن الأصيلة من المزيفة.

ثانياً: التواضع – فالكبرياء والغرور ينفران الناس، بينما التواضع يجذبهم كالمغناطيس. الإنسان المتواضع يشعر من حوله بالراحة والأمان.

ثالثاً: حسن الاستماع – أعط الآخرين اهتماماً حقيقياً، استمع إليهم باهتمام، اشعرهم بأهميتهم. الناس تحب من يجعلها تشعر بأنها مهمة ومسموعة.

رابعاً: الابتسامة والبشاشة – الوجه البشوش صدقة، وهو أيضاً مفتاح من مفاتيح القبول. ابتسامتك قد تكون سبباً في فتح باب رزق لم تكن تتوقعه.

خامساً: الكلمة الطيبة – اللسان الطيب يجلب القلوب. تعلم فن الحديث اللطيف، وابتعد عن الغيبة والنميمة والكلام الجارح.

سادساً: المصداقية والثبات – كن كما أنت، لا تتصنع شخصية غير شخصيتك. المصداقية تبني الثقة، والثقة تجلب القبول.

سابعاً: الاهتمام بالمظهر – النظافة والترتيب والاهتمام بمظهرك دون مبالغة يزيد من قبولك. فالناس تحكم بالمظهر أولاً قبل أن تتعرف على الجوهر.

ثامناً: العطاء دون انتظار مقابل – ساعد الآخرين، قدم لهم الخير، كن سبباً في تيسير أمورهم. العطاء يولّد محبة، والمحبة تجلب القبول.

القبول في ميزان الإيمان

من المهم أن نفهم أن السعي للقبول لا يعني النفاق أو التملق أو التنازل عن المبادئ. القبول الحقيقي لا يتعارض مع الثبات على الحق والصدع بالكلمة الصادقة. بل إن أعظم القبول هو قبول أهل الحق، الذين يحترمهم الناس حتى لو اختلفوا معهم، لأنهم يرون فيهم الصدق والاستقامة.

وتذكر دائماً أن القبول الحقيقي يبدأ من الله، فإذا رضي الله عن عبد جعل له قبولاً في الأرض. لذلك احرص على رضا الله قبل رضا الناس، واعمل صالحاً، وأحسن نيتك، وتوكل على الله.

نسأل الله أن يتقبلنا

وقبل أن نطلب قبول الناس، علينا أن نطلب قبول الله تعالى. فالقبول عند الله هو الأساس الذي يُبنى عليه كل قبول. حين يتقبل الله عبده، يجعل له محبة في قلوب خلقه. وحين يرضى الله عن عمل، يباركه ويجعل فيه النفع والخير.

لذا ينبغي أن يكون دعاؤنا الدائم: “اللهم تقبلنا وتقبل أعمالنا، واجعل لنا لسان صدق في الآخرين، وارزقنا قبولاً في الأرض”. فنحن في حاجة ماسة إلى أن يتقبلنا الله في عباده الصالحين، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

القبول عند الله يتحقق بالإخلاص في العبادة، وبالعمل الصالح، وبطهارة القلب من الحقد والحسد والرياء. فإذا صلح القلب وصدقت النية، كتب الله للعبد القبول عنده، ثم جعل له القبول عند خلقه. أما من طلب قبول الناس بمعصية الله، فقد خسر الدنيا والآخرة، ولن يجد قبولاً حقيقياً لا عند الله ولا عند عباده.

فلنجعل همنا الأول أن نكون مقبولين عند الله، وأن نسأله في كل صلاة وفي كل دعاء أن يتقبلنا ويتقبل منا، وأن يجعلنا من عباده الصالحين المقبولين. فإذا تقبلنا الله، فُتحت لنا أبواب الرزق والخير من حيث لا نحتسب.

في نهاية المطاف، القبول ليس هدفاً بذاته، بل هو ثمرة من ثمار حسن الخلق والعمل الصالح والإخلاص. إنه باب من أبواب الرزق يفتحه الله لمن يستحقه، ويغلقه عمن يستغله للباطل.

فاجعل همك أن تكون إنساناً طيباً صادقاً نافعاً للآخرين، مخلصاً لله في سرك وعلانيتك، وسيأتي القبول كنتيجة طبيعية لذلك. واعلم أن الله إذا أراد بعبد خيراً تقبله وجعل له القبول في قلوب الخلق، ففتحت له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب.

فلنعمل على تهذيب أنفسنا، وتحسين أخلاقنا، والإحسان إلى الناس، ولنرفع أيدينا إلى السماء قائلين: “ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم”، عسى أن نكون ممن فُتحت لهم أبواب الرزق بمفتاح القبول.

كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي.

 اقرأ أيضا

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : اللمبة الحمراء .. ومدخرات البنوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى