توبكُتّاب وآراء

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : مصر اليوم تُشيد اقتصادًا يعادل صلابة تاريخها

تخوض مصر اليوم معركة بناء حقيقية، معركة لا تقل أهمية عن معارك الاستقلال السياسى، لأنها تتعلق باستقلال الإرادة الاقتصادية وقدرة الدولة على صنع احتياجاتها بعرق أبنائها لا بمنتجات الأسواق الخارجية، ما يجرى الآن ليس مجرد تطوير طرق أو تحديث موانئ، بل هو مشروع وطنى شامل لإعادة تأسيس اقتصاد يقوم على الإنتاج والتصنيع ويستعيد لمصر مكانتها الطبيعية كدولة قادرة على المنافسة ورسم مستقبلها بيديها.

لقد أدركت القيادة السياسية أن الدولة لا يمكن أن تعتمد على الاستيراد فى كل شيء وأن استمرار هذا النهج يستهلك العملة الأجنبية ويحول السوق إلى ساحة لمنتجات رديئة تُغرق البلاد دون فائدة، ولذلك اتجهت الدولة إلى تطوير شبكة مواصلات حديثة تربط ما بين محافظات مصر وموانئها وتتيح حركة آمنة وسريعة للبضائع والمواد الخام، هذه الشبكة ليست مجرد إنجاز هندسى، بل هى شريان حياة لأى مشروع صناعى يريد أن ينافس ويصدر وينمو.

وبالتوازى مع ذلك جرى العمل على تطوير الموانئ المصرية وتوسعتها وربطها بالموانئ العالمية وإنشاء مناطق لوجستية متكاملة داخل المحافظات لضمان وصول المنتجات من المصنع إلى المستهلك أو الموانئ فى أسرع وقت وبأعلى كفاءة، هذا التطوير يعكس رؤية واضحة بأن مصر يجب أن تكون مركزا لوجيستيا وصناعيا فى المنطقة، مستفيدة من موقعها الفريد فى قلب العالم.

تصريحات وزير الصناعة الفريق كامل الوزير جاءت لتؤكد أن الدولة تسير فى الاتجاه الصحيح، فالهدف اليوم هو تحقيق الاكتفاء الذاتى فى القطاعات الأساسية والاعتماد على المصانع المصرية فى الصناعات البحرية وصناعة السيارات والقطارات والصناعات الغذائية والدوائية وغيرها، هذا التوجه لا يهدف فقط إلى تغطية احتياجات السوق المحلى بل يسعى أيضًا إلى فتح أبواب التصدير وزيادة موارد الدولة من العملات الأجنبية وتشغيل المصانع والعمالة، وتقليل البطالة وإحياء الصناعات المغذية.

لكن نجاح هذا المشروع الوطنى يتطلب خطوة لا تقل أهمية وهى وقف نزيف الاستيراد العشوائى للمنتجات الرديئة والبسيطة التى يمكن تصنيعها داخل مصر فليس من المعقول أن تستمر البلاد فى استيراد سلع لا قيمة لها بينما المصانع المصرية قادرة على إنتاجها بجودة أعلى ومعايير عالمية، المطلوب هو حماية المنتج المحلى وتشجيع المستثمرين على التوجه إلى الصناعات الجادة ذات القيمة المضافة.

كما أن إعادة تدريب وتأهيل خريجى الجامعات والشباب للعمل فى المجال الصناعى أصبح ضرورة وطنية، فالصناعة تحتاج إلى عقول مدربة وطاقات مؤهلة قادرة على إدارة خطوط الإنتاج الحديثة، تماما كما فعلت دول سبقتنا وتحولت إلى قوى صناعية كالمغرب ودول شرق آسيا عبر إنشاء مناطق حرة صناعية قرب الموانئ.

إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد خطط تُكتب على الورق، ولا مشروعات تُعلن فى المؤتمرات، بل هو انتقال حقيقى لدولة قررت أن تقف على قدميها وأن تفتح أبواب المستقبل بإرادة لا تعرف التردد، مصر اليوم تشيّد اقتصادا يعادل صلابة تاريخها، ما يحدث أمام أعيننا هو بداية عصر جديد تُصاغ فيه قوة الوطن فى مصانع تُبنى وطرق تُشق وعقول تُدرب، وأحلام تُنتشل من الانتظار إلى الفعل، هذه ليست صناعة فقط، هذا مشروع وطن يعيد بناء نفسه ويؤكد أن مصر حين تقرر العودة للمشهد حتما ستعود بسواعد ابنائها وفكر علمائها.

حفظ الله مصر جيشا وشعبا وقيادة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى