توبكُتّاب وآراء

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : الموت فجأة

في لحظة واحدة، تتوقف الحياة عن المسير. في ثانية خاطفة، يتحول الحاضر إلى ذكرى. هكذا يأتي الموت فجأة، دون استئذان، دون مقدمات، دون وداع. كان بيننا بالأمس، يضحك ويحكي، يخطط للغد ويحلم بالمستقبل، واليوم نقف على قبره نردد: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.

فلان الله يرحمه… جملة تتردد على ألسنتنا كلما سمعنا الخبر المفجع. نتلقى الاتصال أو الرسالة، نقرأ الكلمات بعيون لا تصدق، نعيد القراءة مرة وأخرى، علّ الخبر يتغير، علّ الحقيقة تنقلب. لكن الموت حق، والرحيل حقيقة لا مفر منها.

الصدمة الأولى

حين يأتي الموت فجأة، تصاب النفس بصدمة عنيفة. العقل يرفض التصديق، والقلب ينكر الواقع. كيف لمن كان معنا قبل ساعات أن يغادر إلى الأبد؟ كيف لصوته الذي ملأ المكان بالحياة أن يصبح صمتاً أبدياً؟

تتوالى الأسئلة دون إجابات: لماذا الآن؟ لماذا هو؟ لماذا لم نودعه؟ لماذا لم نقل له كلمة أخيرة؟ الأسئلة كثيرة، والإجابة واحدة: أجل الله لا يؤخر، وقدره نافذ.

الأثر النفسي العميق

الموت المفاجئ يترك في النفس جرحاً عميقاً، أعمق من الموت المتوقع. فحين يمرض الإنسان، نستعد نفسياً لفراقه، نودعه كل يوم، نقول له ما في قلوبنا. لكن الموت الفجائي يحرمنا من هذا الاستعداد، يخطف منا الفرصة، يترك في القلب حسرة الكلام الذي لم يُقل، والعناق الذي لم يحدث.

يشعر الكثيرون بالذنب بعد الموت المفاجئ. نتذكر آخر لقاء، آخر حديث، آخر موقف. نتساءل: هل كنت قاسياً؟ هل كان يعلم كم أحببته؟ هل أعطيته حقه من الاهتمام والتقدير؟

تأثيره على المجتمع

الموت الفجائي لا يؤثر فقط على الأقربين، بل يهز المجتمع بأسره. حين نسمع أن شاباً في مقتبل العمر فارق الحياة فجأة، أو أن رجلاً في أوج عطائه رحل دون سابق إنذار، نشعر جميعاً بالهشاشة. ندرك أن الحياة أقصر مما نظن، وأن الغد ليس مضموناً لأحد.

تنتشر في الأيام التالية للوفاة المفاجئة موجة من التأمل والتفكر. يعيد الناس حساباتهم، يراجعون أولوياتهم، يتصالحون مع من خاصموهم، يتواصلون مع من هجروهم. الموت يذكرنا بأن الحياة فرصة، وأن كل لحظة ثمينة.

العظة والعبرة

إن في الموت الفجائي عبرة وعظة لكل ذي قلب حي. يذكرنا بأن الموت لا يعرف موعداً، ولا يفرق بين صغير وكبير، قوي وضعيف، غني وفقير. يأتي في أي لحظة، في أي مكان، لأي شخص.

العبرة الأولى: أن نعيش كل يوم وكأنه الأخير. أن نقول لمن نحب: “أحبك”، أن نسامح من أخطأ بحقنا، أن نطلب السماح ممن أخطأنا بحقه. أن لا نؤجل صلة الرحم، أن لا نبخل بالكلمة الطيبة، أن لا نحمل في قلوبنا حقداً أو ضغينة.

العبرة الثانية: أن نستعد للقاء الله. أن نحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب، أن نصلح ما أفسدنا، أن نتوب من ذنوبنا، أن نكثر من الأعمال الصالحة. فالموت نهاية كل حي، والسعيد من أحسن الاستعداد.

العبرة الثالثة: أن نعرف قيمة الوقت. كم من مرة أجلنا زيارة صديق؟ كم من مرة قلنا “سنفعل ذلك غداً”؟ الموت الفجائي يعلمنا أن الغد قد لا يأتي أبداً، وأن الفرصة إن ضاعت قد لا تعود.

كلمة أخيرة

حين يرحل أحدهم فجأة، يترك خلفه فراغاً لا يُملأ، ووجعاً لا يوصف. لكنه يترك أيضاً درساً ثميناً: أن الحياة قصيرة، وأن الموت حق، وأن علينا أن نعيش بوعي وحضور.

فلان الله يرحمه… جملة نرددها اليوم، وقد يرددها غيرنا عنا غداً. فلنحرص على أن نترك ذكرى طيبة، وأثراً حسناً، وصدقة جارية. ولنعلم أن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً.

رحم الله موتانا وموتى المسلمين، وألهمنا وإياكم حسن العمل والاستعداد لليوم الآخر.

كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي.

 اقرأ أيضا

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : مصر عادت شمسك الذهب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى