توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : خيبة أمل سياسية

أصبت بخيبة أمل عميقة وأنا أتابع المؤتمر الصحفي للهيئة الوطنية للانتخابات عقب إعلانها إعادة الانتخابات في 19 دائرة موزعة على سبع محافظات. لم تكن الصدمة في قرار الإعادة ذاته، بل في الشعور بأن توقعاتنا — وربما أحلامنا — قد سبقت الواقع بأشواط، وأن مؤشرات التغيير التي انتظرناها لم تجد طريقها الكامل إلى التنفيذ.

كنتُ أظن أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما بدا من غضب واضح في منشوره على فيسبوك، سيشكّلان نقطة تحوّل حقيقية تُعيد النظر في كل تفاصيل العملية الانتخابية، خاصة في أكثر ملفاتها جدلًا وهو القائمة المطلقة المغلقة.

هذا النظام يدفع فيه الكثيرون ملايين الجنيهات لضمان مقعد، حتى بات الفوز فيه أقرب إلى معادلة مالية منه إلى استحقاق سياسي — وهو ما يتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية والتنافس الحر بين القوى السياسية.

لقد تمنَّينا، وربما صدقنا أن اللحظة مناسبة لإعادة النظر في هذا النظام بالكامل، عبر واحد من ثلاثة مسارات أولها فتح المجال لتعدد القوائم بدل القائمة الواحدة، أو اعتماد نظام القوائم النسبية بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا للأحزاب،    أو العودة للنظام الفردي بالكامل بما يحفظ مبدأ المنافسة المباشرة ويكبح سطوة المال السياسي.

لكن ما جرى لم يعكس ذلك الزخم الذي صنعته كلمات الرئيس. فالرجل، في منشوره الذي انتشر كالنار في الهشيم، لم يكن عابرًا أو مجاملًا. تحدث بنبرة حادة تحمل استياءً صريحًا من تجاوزات العملية الانتخابية، وكلامه رفع سقف أحلامنا لمستقبل سياسي أفضل، وانتخابات برلمانية نزيهة تُفرز نوابًا جاءوا بإرادة الشعب لا بسطوة المال ولا بعلاقات النفوذ.

أطلقت كلمات الرئيس إشارات قوية بأن مصر تستحق حياة سياسية أكثر صحة، وأن البرلمان القادم يجب أن يكون نتاجًا طبيعيًا لثقة الناس، لا نتيجة صفقات أو تحالفات مالية.

ومع ذلك، جاءت نتائج المؤتمر وكأنها جزء من مشهد آخر… مشهد لا يرقى إلى مستوى التوجيهات الرئاسية ولا يترجم الرسالة الواضحة التي فهمها الشارع.

المشكلة ليست في إعادة الانتخابات في عدد من الدوائر، فهذا إجراء قانوني يحدث في أي انتخابات.

المشكلة في ما لم يتغير، في الآليات، والتحالفات، والأنماط القديمة التي ما زالت تتكرر، وكأن اللحظة الإصلاحية الكبرى التي صنعها الرئيس لم تجد استجابة عملية وفعالة.

لقد انتظر المواطنون خطوة جريئة مثل مراجعة شاملة، إعادة تقييم، أو حتى بداية نقاش جاد حول النظام الانتخابي نفسه.

لكن ما حدث، أو ما لم يحدث جعل السؤال منطقيًا: هل ستصل الرسالة كاملة إلى المؤسسات المعنية؟

وهل ستشهد المرحلة المقبلة معالجة حقيقية لجذور الأزمة، لا مجرد مخرجاتها الشكلية؟

إن الرأي العام اليوم أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على متابعة التفاصيل، وأكثر رغبة في حياة سياسية تُدار بشفافية وتنافس عادل. وما قاله الرئيس السيسي لم يكن مجرد تصريح عابر، بل كان إعلانًا واضحًا بأن الدولة تريد مسارًا سياسيًا أفضل.

ويبقى الأمل قائمًا في أن تكون هذه اللحظة بداية إصلاح واسع، وأن تُعاد صياغة النظام الانتخابي بما يضمن برلمانًا يليق بالشعب، ويعبر عنه، ويأتي بنوابه الحقيقيين… لا بنواب الصفقات .

Khalededrees2020@gmail.com

 اقرأ أيضا

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : الحنين إلى الورق في زمن الشاشات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى