الإعلامي حمدي رزق يكتب : متي تبلغ أحزابنا مرحلة الفطام السياسي؟!
من أدبيات الانتخابات المعتادة تشكيل الائتلافات والكتل والجبهات، وهو أمر تحتمه الضرورات السياسية مرحليا.
وليس غريباً على هذه الأدبيات السياسية تشكيل ما يُعرف بـ “القائمة الوطنية” التي تخوض الانتخابات البرلمانية، من ممارسات الانتخابات العادية، ولا تستدعي كل هذا اللغط السياسي المثار حولها .
تضم القائمة الوطنية أحزاباً بعينها : (مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية “الحديثة العهد”، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب إرادة جيل، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب المؤتمر، وحزب الوفد، وحزب الإصلاح والتنمية، وحزب العدل، وحزب التجمع الوحدوي، والحزب الحرية المصري، بالإضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين) .
في حيثيات تأسيسها، تعمل القائمة الوطنية على ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية وتغليب المصلحة العامة، من خلال خوض الانتخابات بشكل موحد يجمع عدداً من أحزاب الدولة تحت مظلة واحدة، مما يعزز الاستقرار السياسي ويحد من التشتت الحزبي..
مبررات وطنية وجيهة، رغم التشكيك في فعاليتها السياسية في بعض الأوساط الحزبية ، والتحليل السياسي المنصف يوضح أن هذه القائمة توفر تمثيلاً لأحزاب حديثة وأخرى عريقة، لم تكن لتحظى بتمثيل برلماني لولا الفرص التي تمنحها القائمة بأريحية سياسية .
الانتخابات علي مستوي الوطن جد تفوق قدرة هذه الأحزاب الذاتية على الوفاء بالتكاليف الانتخابية الباهظة التي أصبحت تفوق طاقة المرشحين جميعا .
من اللافت أن القائمة اختارت من بين الأحزاب ما يتوافق مع رؤيتها الائتلافية ومستقبلها الطموح، بهدف ضمان أغلبية برلمانية تمكنها من إجراء المراجعات البرلمانية اللازمة في المرحلة المقبلة.
من منشورات هيئة الاستعلامات، يبلغ عدد الأحزاب المسجلة رسميًا 104 أحزاب، لكن المشاركين الفعليين في هذه الانتخابات يمثلون أقل بقليل من عُشر هذا العدد!!
فماذا عن بقية الأحزاب؟
هل شاركت فعليًا في الانتخابات؟ وهل أعجزتها تكاليفها عن المشاركة المطلوبة؟
وما هو مصيرها بعد الانتخابات؟ هل ستبقى مجرد أسماء عالقة في سجل لجنة الأحزاب، لتكون مجرد زينة للمشهد الديمقراطي، أم ستحافظ على وجودها القانوني بناءً على الأمر الواقع؟
أحزاب الأمر الواقع ، أحزاب بلا نواب هو عنوان سياسي مقلق، فهي بمثابة أسماك زينة لا تُعجب سوى الناظرين، تفتقر إلى أي تمثيل برلماني.
وهنا يطرح السؤال الصعب: متى تصل الأحزاب الوطنية إلى مرحلة “الفطام السياسي”؟
والفطام السياسي مرحلة تشبه، مع وجود فارق طبعًا، الفطام الطبيعي، فالفطام هو انتقال الطفل من الرضاعة إلى تناول الأطعمة والمشروبات الصلبة، ليست إيقافًا فوريًا بل عملية تدريجية.
ويتطلب الفطام السياسي الناجح استعدادًا سياسيًا من الدولة والأحزاب، يتمثل في تقليل الدعم الانتخابي تدريجيًا مع تقديم الدعم السياسي اللازم للأحزاب.
القائمة الوطنية باتت ملاذاً لحزمة من الأحزاب التي لا تقوى على الفطام، أقله تضمن تمثيلاً برلمانياً يعينها على البقاء، وأحزاب أخرى ترى في القائمة مشاركة مستوجبة تحتمها ظروف المرحلة السياسية. فيما خلت الأحزاب الكبيرة، ثالوث (مستقبل وطن وحماة وطن والجبهة)، بقية الأحزاب المشاركة في القائمة، لم تصل بعد إلى مرحلة الفطام السياسي الذي يؤهلها لخوض انتخابات مكلفة على مستوى الوطن.
مبكراً وفي نوفمبر من العام 2017، وخلال لقاء الرئيس السيسي مع وسائل الإعلام الأجنبية والمصرية، في شرم الشيخ، وعلى هامش منتدى شباب العالم، دعا الرئيس الأحزاب السياسية للدمج، قائلاً: “الأحزاب كثيرة ويجب أن تدعوهم للدمج من أجل زيادة قدراتهم”.
لماذا لا تندمج الأحزاب ذات البرامج المتشابهة في كتلة واحدة؟
هذا يوفر علينا كثيراً من العناء الحزبي، المسجل من الأحزاب كثير، ولكنهم غثاء كغثاء السيل. الوطن يستحق أحزاباً أكثر فعالية سياسية.
الوطن يصطخب بأفكار محلقة عالميا تستبطنها أجيال جديدة لا تعبر عن نفسها حزبياً، ولا تعكس سياسياً حالة وطن يستحق حياة حزبية أكثر نفعاً.
خريطة الأحزاب السياسية الحاضرة، على كثرتها، لا تفي بالمطلوب إثباته سياسياً، والتكتلات والجبهات قد توفر حلاً مؤقتاً غير مستدام.
قد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياةَ لمن تنادي، ناديت قبلاً وكتبت مراراً، مستوجباً جمع شتات اليسار المبعثر في جبهة اشتراكية تضم الأحزاب اليسارية على برنامج واقعي، وكذا جبهة يمينية من الأحزاب الليبرالية تجمع على برنامج بنكهة ليبرالية، وفي القلب هناك مكان لتكتل أحزاب الوسط.
الوصفة مجرَّبة، جُرِّبَت سابقًا، وعلى قواعد حزبية جديدة يمكن أن تُثمِر تنافسية برامجية، تُنتِج برلمانًا معبرًا عن تطلعات الجمهورية الجديدة في إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
ليس عن قلة، لدينا ما يزيد على مائة حزب سياسي، لن أُعِدَّ الأسماء، الذاكرة لا تستوعبها جميعًا، ولكن الحياة الحزبية لا تستوعب المزيد، تستحق أحزابًا حقيقية تبغي حراكًا سياسيًا، تُثري المنافسة الخافتة، وتُحرِّك الساكن.
الكمون الحزبي للأحزاب ما عدا أحزاب القائمة الوطنية يُترجَم مَواتًا، والأحزاب تموت بالسكتة السياسية، الحياة الحزبية تحتاج إلى صدمات كهربائية حتى تستعيد الحياة.
الأحزاب القديمة تعاني انفضاضًا شعبيًا، لم تُحَدِّث آلياتها، ولم تُراجِع برامجها، بعض البرامج الحزبية يعود إلى العصر الملكي، وبعضها ينتمي إلى العهدة الناصرية، ومن رحم رُبِّي ينتمي اسمًا إلى الجمهورية الجديدة دون استبطان أهدافها السياسية والتنموية.
خلاصته، نعاني فقرًا حزبيًا يُترجَم فقرًا برامجيا ، يقينًا هذا مُضِرٌّ بشدة سياسيًا، والمطلوب وعلى وجه عاجل تغيير في البنية الأساسية الحزبية، الحاجة ماسة إلى مِعمَار حزبي جديد على قواعد سياسية حديثة.
الأهرام



