د. محمد المنشاوى يكتب لـ «30 يوم» : مصر تشرع فى حَوْكمة البحر الأحمر..!
على مدى العامين الأخيرين ، تَأكدَ للقوى الدولية الكبرى أن أياً من ملفات إقليم الشرق الأوسط لن يُغلق ما لم تقل مصر كلمتها أو على الأقل أن تبارك إغلاقه ، لتشرع القاهرة الآن وبقوة فى حَوْكمة البحر الأحمر فى مجابهة المتربصين والمتنمرين والحاقدين وصغار العابثين .
فمصر التى إستدعتعلى أرضها – فى غضون أسبوعين- قادة القوى الدولية المؤثرة فى شرم الشيخ فى 14 الشهر الماضى لوقف الحرب على حدودها فى غزة ، وحشدتالسبت الماضى ملوكهم وزعمائهموأبهرت شعوبهم بالإحتفال الأسطورى لإفتتاح المتحف الكبير ، قادرة أيضاً على غلق ملف العبث فى منطقة البحر الأحمر ووئد أحلام الطامعين من غير المتشاطئينبمعاونة وتطواطؤ المجاورين حقداً على المصريين ..
فما كادت مصر توقف الحرب عند حدودها فى غزة وإنصاع العالم لكلمتها ، حتى خرج علينا قادة أثيوبيا الحبيسة برفع شعار التحدى الذى يتجاوز قدراتهم ، ويعلن الجنرال برهانو جولا رئيس أركان الجيش الأثيوبى”لن نبقى محرومين من البحر وسنصل إليه بكل الوسائل اللازمة”فى تصريح إستفزازى يزيد من التوتر فى منطقة القرن الأفريقى .. فى وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة بسبب سعى هذه الدولة غير الساحلية بالقوة وبالتواطؤ مع دول بالإقليم وخارجه للوصول إلى الموانىء البحرية ، غير مكتفين بما جروه على مصر والسودان بأفعالهم الأحادية الفاسدةفىسد الخراب الأثيوبى ..
أغلب الظن أن الأثيوبيين بزعامة آبى أحمد رئيس الوزراء قد أدمنوا التصرفات الأحادية فى سياساتهم مع الجيران بإشعال الحروب والنزاعات على نهج وخطى أصدقائهم الإسرائيليين ، ليرد وزير الخارجية بدر عبد العاطى أن حوكمة البحر الأحمرشأن يخص الدول المتشاطئة على البحر الأحمر فقط ولا يحق لأى دولة غير مطلة على البحر الأحمر التدخل أو المشاركة فى آليات حوكمته ..
لقد رَوْج آبى أحمد–كذباً-لسد الخراب الأثيوبى على أنه أيقونة النهضة الحبشية والخلاص لشعب فقير يتألف من نحو 78 من القوميات العرقية أنهكتها النزاعات والحروب الأهلية، لتظهر العلامات الأولى الدالة على خطأ بنائه وتصميمه، فلا إنتفع منه الأثيوبيون ولا سَلِم من فيضانه السودانيون ، فما بالكم لو إنهار كما يتوقع له الآخرون !!..\
لقد أقيم هذا السد بدافع المكيدة والتنمر السياسى وإنكار حقوق الآخرين من جانب نظامٍ حُكم طامعٍ فى البقاء بمقعده على رأس دولةتعج بأربعة عشر نهراً وعشر بحيرات لوفرة ما يهطل عليها من أمطار سنوية ، دون تنسيق أو ترتيب مع دولتى المصب السودان ومصر ..
وكان بمقدور آبى أحمد تجنب هذا الوضع الكارثى لو إحتكم لمنطق العقل بدلاًتبنى قرارات أحادية أغرقته، عندما إنشغل بإقصاء مصر دون الإستفادة من خبراتها التى شيدت لتنزانيا فى ذات الوقت سداً عظيماً تشهد به أفريقيا الآن ..
فبعد أحداث 25 يناير 2011 وما أعقبها من الضعف وإنشغال الجيش بمجابهة مخططات أعداء الداخل والخارج ، إستغلت الحكومة الأثيوبية تعاونها إسرائيلوالغرب تلك الفوضى لتعلن فى 2 أبريل 2011 عن وضع حجر الأساس لأكبر سد على النيل الأزق بسعة 64 مليار متر مكعب أسمته بسد الألفية الجديد ..
وإتسم الإعلان الإحتفالى الدعائى لحكومة آبى أحمد عن إفتتاح المشروع بفيضٍ من الدعاية الكاذبة والمبالغة والتهويل حول منافع السد للشعب الأثيوبى الفقير البالغ تعداده نحو مائه وخمسون مليون نسمة ، والآن وبعد مرور نحو 14 عاماً على بدء تشغيله ، يتساءل المرء : هل تحقق ما صوروه للشعب الأثيوبى فى دعاياتهم ؟؟ ، وهل لديه الشجاعة لأن يصارح شعبه بما آل إليه الأمر بعد أن تضاعفت التكلفة إلى أكثر من 9 مليار دولار دون أن يكتمل تشغيله ؟؟..
والسبب أن بحيرة السد تقع على مستوى أقل من 620 متراً فوق سطح البحر ، فى حين أن معظم الشعب الأثيوبى يعيش على إرتفاع 200 متراً فوق سطح البحر ، كما لم تتم زراعة قيراط واحد من الأرض فى منطقة السد ، ولم تتم إنارة أى بيت ل 70 مليون مواطن يعيشون بدون كهراء فى هذه الدولة ، والسبب عدم وجود شبكة جديدة لنقل الكهرباء..
أغلب الظن أن هذه الحكومة ورئيسها آبى أحمد ، كان يتمنى طوال هذه السنين لكى يزيح عن كاهلة فشله بهذا المشروع أن يبلع المصريون الطعم ويقوم الجيش المصرى بتدميره ليخلصه مما تورط فيه بإيعاذٍ من الصهاينة والغرب ، لتوريط مصر فى حرب مع أثيوبيا ، غير أن رشادة القيادة المصرية السياسية قد فطنت لأهداف الأثيوبيين ومَنْ ورائهم ..
ولأن سيناريو إنهيار السد أمر وارد ، إستعدتمصر بالتدابير اللازمة لتجنيب الدولة المصرية مخاطر المياه المتدفقة ، فأقامت قناطر أسيوط بقدرة تخزينية 60 مليار متر مكعب وهى بمفردها تساوى بحيرة سد النهضة ، كما أنشأت مفيض توشكا وسعته 50 مليار متر مكعب وسحارات سرابيوم وقناطر ديروط بأكثر من 40 مليار متر مكعب، وتوسيع للرياحات وزيادة سعة السد العالى وتبطين الترع بما يزيد من سعتها المائية بما لايقل عن 20 مليار متر مكعب ..
لقد أطفأت مصر الحرب على حدودها فى غزة ، فكَرِه الحاقدون ذلك وأشعلوها فى السودان ، والأن يريد الصهاينة والأحباش والكارهون لنا إشعالها فى إريتريا ، والسبب أن مصر وإريتريا تربطهما إتفاقية دفاع مشترك ، ظناً منهم أنه لو كانت مصر قد دخلتفى حرب غزة ، فقد تدخل أيضا فى السودان وإريتريا ..!!
لقد إجتمع الإسرائيليون والأحباش وصهاينة الجيران من بنى جلدتنا على هدف شغلنا وإنشغالنا وتفكيكنا وإضعافنا لأنهم يريدون مصر دولة تابعة لكن القاهرة فى ظل قيادة رشيدة تقف لهم عند كل نازلة بالمرصاد ولن تسمح بإضعاف جيشنا الذى بنيناه بصبر وجلد وتعقُل ..
“كاتب المقال د. محمد المنشاوي سياسي وأديب ، نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط للشؤون الدولية والتعاون الدولي ، وكبير محرري شئون رئاسة الجمهورية سابقًا ، والحائز على جائزة “ملهم الدولية – وشخصية العام لسنة ٢٠٢٤ ” فى مجال الإعلام الهادف والتثقيف السياسي ” من منتدى رواد الأعمال العرب ” …




