توبكُتّاب وآراء

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : إدريس النبي المصري

في عمق التاريخ الإنساني، وبين صفحات الكتب المقدسة، تبرز شخصية نبوية فريدة ارتبطت بأرض مصر القديمة، إنه النبي إدريس عليه السلام، الذي يُعد من أوائل الأنبياء الذين بعثهم الله لهداية البشرية، وأحد الشخصيات التي تركت بصمة عميقة في تاريخ الرسالات السماوية.

نبي العلم والحكمة

يُذكر النبي إدريس عليه السلام في القرآن الكريم في موضعين، حيث يقول الله تعالى: “واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً، ورفعناه مكاناً علياً”. وقد اختُلف في تحديد زمانه بدقة، لكن المؤرخين يضعونه بين آدم ونوح عليهما السلام، مما يجعله من أقدم الأنبياء الذين عرفتهم البشرية.

ارتبط اسم إدريس بمصر القديمة بشكل وثيق، حيث تشير بعض الروايات التاريخية والإسلامية إلى أنه عاش في مصر وعلّم أهلها، بل إن بعض الدراسات تربط بينه وبين الحكيم المصري القديم “هرمس” الذي عُرف بحكمته وعلمه الغزير.
رسالة التوحيد والعلم.

كانت رسالة إدريس عليه السلام تقوم على دعامتين أساسيتين: توحيد الله عز وجل، والدعوة إلى العلم والمعرفة. فقد جاء ليخرج الناس من ظلمات الشرك والجهل إلى نور التوحيد والعلم، في عصر كانت البشرية فيه لا تزال في مراحلها الأولى من التطور الحضاري.

وما يميز النبي إدريس أنه لم يكن نبياً بالمعنى التقليدي فحسب، بل كان معلماً وعالماً. فقد علّم الناس الكتابة بالقلم، وهي نعمة عظيمة أشار إليها القرآن الكريم بقوله: “الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم”. كما نُسب إليه تعليم الناس علوم الفلك والحساب والطب، مما جعله رمزاً للتكامل بين الدين والعلم.

منهج التبليغ والإصلاح

اتبع النبي إدريس منهجاً حكيماً في تبليغ رسالته الإلهية. فلم يكتف بالوعظ والإرشاد اللفظي، بل جمع بين القول والعمل، بين التعليم والتطبيق. كان يعلم الناس مكارم الأخلاق ويحثهم على العدل والإحسان، ويدعوهم إلى التفكر في خلق الله وآياته في الكون.

وقد واجه إدريس عليه السلام، كما واجه جميع الأنبياء، معارضة من أقوام رفضوا الحق وتمسكوا بما وجدوا عليه آباءهم من ضلال لكنه صبر واستمر في دعوته، غير عابئ بالصعاب، متوكلاً على الله، حتى أتم رسالته على أكمل وجه.
الرفعة والمكانة العلية.

من أبرز ما يميز قصة النبي إدريس هو ما ذكره القرآن الكريم من رفعه إلى مكان علي، حيث اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية. فمنهم من قال إنه رُفع إلى السماء حياً، ومنهم من فسرها بعلو المكانة والمنزلة عند الله تعالى. وأياً كان التفسير، فإن هذه الرفعة تعكس المكانة الخاصة التي حظي بها هذا النبي الكريم.

دروس وعبر

تحمل قصة النبي إدريس عليه السلام دروساً عظيمة للبشرية جمعاء. فهي تؤكد على أهمية العلم والمعرفة في بناء الحضارات وتقدم الأمم، وتبين أن الدين الحق لا يتعارض مع العلم، بل يحث عليه ويدعو إليه. كما تظهر أهمية الصبر والثبات على الحق مهما كانت التحديات.

إن ارتباط النبي إدريس بأرض مصر يمنح هذه الأرض المباركة شرفاً إضافياً، ويذكرنا بأن مصر كانت على مر العصور مهداً للحضارة والعلم والإيمان.

يبقى النبي إدريس عليه السلام نموذجاً فريداً في تاريخ النبوة، جمع بين النبوة والعلم، بين الدعوة إلى الله والدعوة إلى المعرفة. وتبقى رسالته حية في كل زمان ومكان، تذكرنا بأن الإيمان والعلم صنوان لا ينفصلان، وأن الطريق إلى الله يمر عبر العلم والمعرفة والعمل الصالح.

فسلام على النبي المصري، المعلم الأول، الذي أضاء للبشرية طريق الهداية والعلم، وجعل من مصر منارة للحكمة والإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى